محمد منصور


من أطرف الإيميلات التي وصلتني هذا الأسبوع، إيميل لقارئ يرجوني فيه أن أتحدث عما أسماه (حرب الجزيرة على مذيعي مصر والخليج) وفيها يقول بلهجة تقريرية بلغت حد اليقين: (بدا واضحا من الأزمة الأخيرة إن الجزيرة بكادرها يحارب المذيعين والمذيعات من مصر خصوصاً ومن الدول الخليجية، وبصورة اقل من دول الجزائر وتونس والمغرب... أما المافيا اللبنانية والسورية والأردنية فهي تسهل' وصول مذيعين من دون كفاءة كما هو حاصل للمذيعات المطرودات معظمهم من سوريا ولبنان) ويضيف الأخ المصري:
(البنت الخليجية تغيرت والمجتمع تغير ويكفي إعلان عن طلب مذيعات ومذيعين بإحدى الجرائد حتى تتوافد مئات الفتيات الجميلات والمثقفات ولكن الجزيرة وحتى تلفزيونات الإمارات - دبي وغيرها- ما زالت عاجزة وتضع العوائق أمام تأهيل وتدريب الكوادر الخليجية حتى تبقى عقدة الإحساس بالنقص وبأن بنات الخليج خلقن للنقاب وللجلوس بالمنزل وأما الفلسطينيات واللبنانيات والسوريات المسيطرات فهم لهم القدرة على الحوار والتواصل الصحفي ولنا في نادين بدير وغيرها اكبر دليل على كشف خداع وتضليل هذه المافيا وبأن البنت الخليجية لو تم تدريبها وتثقيفها ستتفوق بسهولة على اللبنانية والسورية والأردنية).'
هذه الهواجس التآمرية تستحق أن تناقش على العلن وبلا تحفظ، لأنها تكشف أن الروح الإقليمية والقطرية، تستفحل يوماً بعد يوم، لدرجة أنها تسيطر على تفكير الكثيرين منا وللأسف... وهي تدفعنا لإطلاق أحكام تجافي الواقع الفعلي القائم برمته... وأود أن أوضح للأخ القارئ ولغيره ممن يفكرون بهذه الطريقة، أن ما يسمى بـ (الأزمة الأخيرة التي فجرتها مذيعات الجزيرة) لم تكن موجهة ضد جنسية معينة، بل هي ناتجة عن رؤية مشتركة لمجموعة من الزميلات المذيعات اللواتي رأين أن هناك تراكمات مهنية، دفعتهن للاحتجاج وتقديم الاستقالة... وكان من بين المذيعات المحتجات مذيعة سورية هي الزميلة لونا الشبل، ومذيعتان لبنانيتان هما لينا زهر الدين وجمانة نمور... وهؤلاء لا يشكلون مافيا، بل هم جزء من منظومة عمل تضم جنسيات عربية عديدة... على العكس إذا أردنا الحديث عن الحساسيات القطرية، فيمكن أن يلمسها المرء بين الجنسيات السورية واللبنانية والأردنية من العاملين في وسائل إعلام عربية، أكثر مما هي بين هؤلاء والأشقاء المصريين.
ولابد من التأكيد أن المذيعين السوريين العاملين في بعض القنوات الفضائية، ليسوا (مطرودين) من سورية... فالزميل مروان صواف الذي يعمل في قناة (الشارقة) والزميلة زينة يازجي في (العربية) والزميلة لونا الشبل التي كانت في (الجزيرة) هم من خيرة المذيعين السوريين، وقد كانوا ملتحقين بعملهم الإعلامي في التلفزيون السوري حين جاءتهم عروض العمل في تلك القنوات... وهذا كلام يمكن التأكد منه من إدارة تلك القنوات لمن شاء... كما أنه يمكن أن ينطبق على أي مذيع لبناني أو أردني أو مصري أو مغربي، من المعيب الادعاء على مذيع حين يعمل في الخارج أنه (مطرود من بلده) وحتى لو لم تتوفر له فرصة كي يبرز في بلده، فإن ذلك ليس سبة بحقه فكلنا في الهم شرقُ... والأساس هو أداؤه المهني، وما يحققه من حضور... وليس الحال التي كان عليها في بلده... ومن هنا ورغم معرفة الجميع بأن إعلامي كبير مثل الأستاذ حمدي قنديل، بات غير مرغوباً به في وسائل الإعلام المصرية كما صرح هو بذلك غير مرة... فهذا لا يشكل نقيصة بحقه، ولا يدعونا للقول إن عمل في قناة عربية مجدداً أنه (مطرود) لأن مهنيته العالية هي جواز مروره، وهي الوطن إن عز عليه تقدير وطنه!
وحين نتحدث عن تهميش العنصر النسائي الخليجي، فالمحطات حافلة بهؤلاء... والنبوغ والمهنية لا علاقة لها ببقعة جغرافية، بقدر ما لها علاقة ببيئة اجتماعية وعلمية يمكن أن تساعد أولا تساعد... ولعل مثال بروين حبيب في برنامج (نلتقي) على قناة دبي... يؤكد أن الموهبة والنجاح لا يعرفان الجغرافيا، وأن وجود (المافيات) ليس إلا حالة مضخمة... وهي إن استطاعت أن تمنع أو تعرقل، فلن تستطيع أن تهمش أبناء البلد من أن يأخذوا فرصتهم متى استحقوها، وخصوصاً في هذا الزمن التي ترفع فيه بعض دول الخليج شعارات 'السعودة' وما وازاها... وعلى العموم، فالعنصر العربي حاضر في الخليج في كافة المجالات... فلماذا نعتبره في الإعلام تعبيراً عن (مافيات مسيطرات) في حين لا يكون ذلك في الهندسة والطب والهندسة والبناء!
لقد آن الأوان لأن نفكر بأفق أوسع من هذا العقل المؤامراتي الذي يستمرئ الوهم، وخارج إطار العنصرية القطرية التي تسكنها الكراهية للشقيق والشعور بأننا أحق منه بالفرص، فنحن نتحدث عن (الجزيرة) كقناة عربية... ولو أردناها قطرية وخليجية، لكان عليها أن تلغي الكثير من البرامج والمتابعات التي لا تمس الشأن القطري أو الخليجي وحسب... إنها صوت إعلام عربي جديد، يتجاوز الحدود والحواجز، ويكبر بمشاهده وبحجم من يتابعونه من الناطقين باللغة العربية داخل الوطن العربي وخارجه... وأعتقد أن لدى هذا الإعلام العربي من الحروب، ما يكفي ليتفرغ لمواجهتها، بدل أن نخترع حرباً جديدة على مذيعي مصر والخليج!
وائل رمضان... إن غنى!
روى الفنان وائل رمضان أثناء ظهوره في برنامج (كلام نواعم) على قناة (إم. بي. سي) حادثة طريفة عن رغبته في احتراف الغناء في بداية حياته الفنية، وكيف أنه ذهب إلى المطرب السوري الراحل نجيب السراج، وقال له: (أريد أن أغني) وعندما أمسك بالعود ليسمعه غناءه، وكان السراج مريضاً، قال له بعد أول مقطع من أدائه لأغنية 'أهواك' لعبد الحليم حافظ: (حط من إيدك... واطلاع لبرا) لكن وائل رمضان لم يقتنع بعد كل هذه السنوات على ما يبدو برأي العملاق نجيب السراج، ولهذا أمسك بالعود مجدداً في برنامج (كلام نواعم) وراح يدندن بأغنية (ناتالي) أشهر وأجمل ما كتب ولحن الفنان حسام تحسين بك... فبدا مثل متسابقي (سوبر ستار) الراسبين، والذين يحرص تلفزيون (المستقبل) على تقديم مقاطع لهم للترفيه عن مشاهديه!
إحدى مذيعات (كلام نواعم) علقت بعد أن انتهى وائل رمضان من الغناء: (يمكن نجيب السراج كان معه حق) لكن عادت وسحبت كلمتها المحقة ورأيها الصريح... لأن أجواء (إم. بي. سي) عموماً لا تحتمل هذه الصراحة... وقالت إنها: (تمزح) لكن هذا المزاح كان أكثر صواباً من كل المجاملات التي حفلت بها الحلقة!
طبعاً لا بد أن نؤكد أن وائل ممثل جيد ونجم له حضور، وهو الآن مخرج مجتهد يحاول أن يثبت نفسه في أعمال كبيرة، كالتي نفذها هذا العام في مسلسل (كليوبترا) نتمنى له التوفيق في كل شيء... إلا الغناء، الذي لا نعتقد أن صوته يسمح له بمقاربته ولو على سبيل المزاح!