وليد أبي مرشد


توقيت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن مع الذكرى الـ234 لاستقلال الولايات المتحدة يحرك في أذهان العديدين تساؤلات عن موعد laquo;الاستقلالraquo; الأميركي المأمول (بعد عمر طويل) عن القرار الإسرائيلي في الشرق الأوسط، خصوصا أن الغاية laquo;النفسيةraquo; من الزيارة هي محو آثار ما اعتبرته إسرائيل laquo;جفاءraquo; غير مبرر في معاملة الرئيس باراك أوباما نتنياهو إبان زيارته السابقة لواشنطن.

ورغم أن الإدارة الأميركية تعتبر أن موقف نتنياهو من تمديد قرار التجميد (الشكلي) لعمليات الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو المؤشر الأبرز على جدية قبول نتنياهو التعامل مع حل laquo;الدولتينraquo; المتعايشتين بسلام في الشرق الأوسط، فقد يكون المؤشر الأصدق على أهمية تسريع التسوية السلمية تنامي الأصوات الأميركية التي بدأت تشكك في ما تجنيه الولايات المتحدة من تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل في ظل تفاقم ما تسميه واشنطن laquo;المصاعب الإسلاميةraquo; للولايات المتحدة في العالم.

لافت أن يصبح مسؤولون مرموقون في المؤسسة العسكرية الأميركية أوضح رؤية للمردود السياسي الكارثي لهذا التحالف على مصالح بلدهم في الشرق الأوسط من المؤسسة السياسية نفسها - ربما بحكم خضوع نحو ثلثي أعضاء الكونغرس لضغوط وlaquo;مغرياتraquo; اللوبي الصهيوني في واشنطن.

ورغم أن المفارقة اللافتة في تباين وجهات نظر العسكريين والسياسيين تنطلق من تجربة الاحتلال الأميركي لكل من العراق وأفغانستان، لا يبدو مستبعدا أن يتحول التفاوت في تقييم أبعاد التحالف الأميركي - الإسرائيلي إلى نقطة تباين مستقبلي في تحديد الأولويات الأميركية في الخارج بين الكونغرس والبنتاغون.

الجنرال ديفيد بترايوس - الذي قاد القوات الأميركية في حربي العراق وأفغانستان - كان واضحا في تحذيره من أن مواصلة إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية يعرض القوات الأميركية للخطر في البلدين بسبب تغذيته لمشاعر العداء الإسلامي لإسرائيل واستطرادا الولايات المتحدة.

وفي أعقاب الهجوم العسكري الإسرائيلي في أعالي البحار على المدنيين العزل في laquo;أسطول الحريةraquo; وما سببه من إحراج لعلاقة واشنطن بحليف أطلسي أساسي في المنطقة، خرج المدير السابق في وزارة الدفاع الأميركية، أنتوني كوردسمان، عن المألوف في المؤسسة العسكرية الأميركية بوصفه لإسرائيل كـlaquo;عبء استراتيجيraquo; على الولايات المتحدة. ورغم تسليمه، في دراسة وضعها عن الشرق الأوسط، بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن laquo;التزامها المعنويraquo; بإسرائيل، فقد اعتبر بالمقابل أن laquo;عمق هذا الالتزام لا يبرر ولا يعطي عذرا لتصرفات للحكومة الإسرائيلية تجعل إسرائيل، من غير ذي ضرورة، عبئا استراتيجياraquo;.

بالنسبة لكوردسمان، laquo;آن الأوان لأن تدرك إسرائيل أن عليها موجبات تجاه الولايات المتحدة، تماما كما للولايات المتحدة موجبات تجاهها، وأن تصبح أكثر احتسابا للمدى الذي تختبر فيه حدود صبر الولايات المتحدة واستغلالها لدعم اليهود الأميركيين لهاraquo;.

من المبكر طبعا الافتراض بأن تجربة العسكريين الأميركيين في كل من العراق وأفغانستان ستساهم في إعادة نظر قريبة في دبلوماسية واشنطن الشرق أوسطية. ولكن المؤشرات الأولية لما يمكن وصفه بـlaquo;التململraquo; العسكري من الحظوة الإسرائيلية الثقيلة على واشنطن قد تكون بداية نمو خطّين متباينين، إلى حد ما، داخل موقع القرار الأميركي: خط البنتاغون (وزارة الدفاع) - العملي بمنطقه، وخط الكونغرس - الآيديولوجي بدوافعه. وإذا جازت، بهذه المناسبة، العودة إلى التاريخ القريب يصح التذكير بأن رؤية الرئيس الأميركي - الوحيد الذي يمكن اعتباره أقرب إلى مدرسة البنتاغون منه إلى الكونغرس - للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، أي الجنرال دوايت أيزنهاور، كانت الأكثر انعتاقا من تأثير اللوبي الصهيوني في واشنطن والأكثر مراعاة للمصلحة الأميركية الخالصة، كما أثبت من موقفه المعارض للعدوان الإسرائيلي - البريطاني - الفرنسي على مصر عام 1956.

لا جدال في أن الصيغة الديمقراطية المطبقة حاليا في الولايات المتحدة تحول دون laquo;تمددraquo; نفوذ العسكريين إلى القرار السياسي. ولكن اتجاه الولايات المتحدة المتنامي إلى لعب دور الدولة الأعظم في العالم، وما يستتبعه من اعتماد متزايد على المؤسسة العسكرية، يصعب أن يستمر بنجاح دون إعطاء البنتاغون كلمة أكبر في دبلوماسية واشنطن الخارجية.