سمير سعيد

يبدو أن السودان ماضٍ في طريقه ليتحول إلى سودانين، أحدهما شمالي والآخر جنوبي، ويبدو أيضاً أن الجميع في السودان أصبح مهيأ لهذا الاحتمال الذي بدأ البعض يتعامل معه على أنه حقيقة تحتاج فقط إلى استفتاء شكلي يشكل إقراراً شرعياً بتقسيم البلاد إلى شطرين، بينما تأتي الاقتراحات من هنا وهناك بتشكيل كيان فيدرالي أو كونفيدرالي، وذلك في محاولة لتمييع هذا التقسيم، وللتخفيف من كون ما سيحدث مجرد بداية لتقسيم وتفتيت هذا البلد إلى دويلات عدة ضعيفة، بعد قبر الدولة المركزية .

إن تمزيق السودان إلى دولتين، حال صوت الجنوبيون على الانفصال في يناير/ كانون الثاني المقبل، لن يكون نهاية المطاف ليس فقط بسبب أصوات الانفصال التي ستعلو في مناطق أخرى، ولكن لأن الجنوب في حد ذاته فشل في أن يكون جنوباً موحداً، حيث مارس ما كان يشكو منه .

إن حكومة الجنوب التي تغنت بأنها بدأت ldquo;الحرب المقدسةrdquo; ضد الشمال من أجل تحقيق العدالة والمساواة تعاني أمراض الدكتاتورية والاستئثار بالحكم التي استبدت بها، الأمر الذي أصاب بقية القوى السياسية في الجنوب بالتململ من وضع كهذا، والذي كان ومازال المحرك الرئيس لمعارك قبلية تحولت إلى مجازر، فيما نسمع بين الفينة والأخرى عن انشقاقات وتمرد داخل الحكومة الحالية، وما تمرد الجنرال جورج اطور والقائد قاي إلا إرهاصات لما ستؤول إليه الأوضاع في مرحلة ما بعد الانفصال حال حدوثه، ولن تجدي حينها دعوة هذا الطرف أو ذاك ليشارك في حكومة دولة الجنوب المستقبلية، خاصة أن الجنوبيين قد خاضوا هذه التجربة مع الشمال وأثبتت فشلها .

كما أن الجنوب يفتقد مقومات الدولة المستقلة ولا يوجد به حكم مؤسسي، وإن كانت حكومة الجنوب قد شرعت في معالجة هذا الخلل بمساعدة الغرب ودول الجوار الإفريقي بشكل يؤكد أن حكومة الجنوب تعمل ليل نهار من أجل الانفصال، وما حديث بعض الأطراف فيها عن ldquo;الوحدة الجاذبةrdquo; والكونفيدرالية والسوق المشتركة إلا محاولة لذر الرماد في العيون .

إن انفصال الجنوب لن يشكل حلاً كما يظن البعض، بل على العكس تماماً، سيشكل فاتحة للمزيد من الأزمات والمعضلات بين شمال السودان وجنوبه حول الحدود والموارد والسكان وغيرها من الملفات، هذا إذا بقي الجنوب موحداً في ظل الاحتراب الداخلي بين قبائله وصراعها على السلطة والنفوذ .

كما أنه قد يزيد من أزمات القارة السمراء، حيث سيتغير شكل مجموعة دول حوض النيل من خلال انضمام عضو جديد ينسب نفسه إلى إفريقيا وينفي عن نفسه صفة العروبة والإسلام، وبالتالي فإن مصر وما سيتبقى من السودان قد يجدان نفسيهما في مواجهة ثماني دول في ما يتعلق بأزمة الحصص، وما كل ذلك إلا غيض من فيض لمرحلة ما بعد الانفصال، حيث سيسبقه أو يلحقه حينها أحد الاتجاهات إما شمال وإما جنوب، وربما شرق وغرب ووسط في مرحلة لاحقة .