زهير فهد الحارثي

ثمة استحقاقات وتحديات تواجه الأمة العربية، لاسيما بعد الانكسارات والجروح التي أصابت الجسد العربي , فالكل متفق أن الأمة العربية تمر في وقتها الراهن بأسوأ أحوالها، فضلا عن أوضاعها المأزومة حيث الخلافات والتفكك،ناهيك عن مشاكل داخلية لدولها تكمن في الفساد والفقر والحروب الأهلية وانتشار الأمراض الفتاكة وبطء في التنمية وتخاذل في بناء الإنسان معرفيا وثقافيا، مما يقتضي قراءة جديدة لواقعنا أو بالأحرى عالمنا الجديد.


غير أن من تابع نتائج القمة العربية الخماسية العليا التي اختتمت أعمالها في طرابلس قبل أسبوع، وشاركت فيها مصر واليمن والعراق وليبيا وقطر، سيشعر بخيبة الأمل وأنها لم تقدم جديدا نوعيا في إصلاح البنية الداخلية للعمل العربي ومعالجة خللها، واكتفت بتوصيات اقل ما يقال إنها شكلية تجميلية، لكنها لم تقتلع جذر المشكلة ، وإن كان قرار تبنيها متروكا للقمة الاستثنائية التي ستعقد في ليبيا خلال شهر أكتوبر المقبل.

على أن البعض يرى في القمة الاستثنائية القادمة منعطفاً مهماً نحو إخراج العمل العربي المشترك إلى حيز الوجود، لكن في المقابل هناك من يرى أن التراكمات السلبية للقمم الفائتة وعدم خروجها بقرارات فاعلة تؤثر في يومه المُعاش، إجابة مقنعة لحالة الإحباط.

وكان الأمين العام عمرو موسى،قد أشار إلى أن اللجنة درست المبادرة اليمنية والأفكار الليبية لتفعيل العمل العربي المشترك. كما تضمنت التوصيات عقد القمة العربية مرتين في العام، قمة عادية وأخرى تشاورية تُعقد في دولة المقر بالإضافة إلى عقد قمم عربية نوعية تكرس لبحث مجالات محددة على غرار القمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن إنشاء مجلس تنفيذي يتولى مهمة الإشراف على تنفيذ قرارات القمم العربية .

وفيما يتعلق بتطوير جامعة الدول العربية والأجهزة الرئيسة التابعة لها ، اتضح وجود وجهتيْ نظر تهدف الأولى إلىquot; إحداث تعديل جذري وشامل وبوتيرة سريعة لإقامة اتحاد عربي ، والثانية تتبنى منهج التطوير التدريجي والإبقاء على مسمى الجامعة العربية في المرحلة الحالية وإرجاء بحث إقامة الاتحادquot;.

ومع كل التقدير لكل ما طرح آنفا إلا انه لم يأت بجديد ، لان المراد إصلاح جذري وجوهري في تركيبة الجامعة ومنظومة العمل العربي، وهو ما لم تعالجه تلك التوصيات، في حين انه سبق أن ُطرحت مبادرة سعودية، ولكننا مررنا عليها مرور الكرام، من دون أن نجهد الذات في محاولة فهم مدلولاتها ، وكم أتمنى أن يُعاد طرح بحثها وإحيائها من جديد، ليس تحيزا لها وإنما لأهمية ما تضمنته من رؤى وآليات لتفعيل التعاون العربي مما يمكن ترجمتها على الأرض لا الورق.

فالمبادرة طُرحت قبل بضع سنوات عندما كان خادم الحرمين الشريفين ولياً للعهد، وُقدمت إلى لجنة المتابعة العربية لعرضها على القمة العربية، وحقيقة لا اعلم ماذا حدث لها في خضم مبادرات من دول أخرى لم تلبث أن انهمرت حين علمها بالمبادرة السعودية.

على أي حال، جاءت المبادرة السعودية تحت عنوان quot;ميثاق لإصلاح الوضع العربيquot;، حيث دعت إلى quot;ميثاق عربي جديد يضمن حماية المصالح المشروعة وتحقيق المطالب العادلة لأمتنا العربية، ويبني العمل العربي المشترك على أوثق العرى وأقواها، وينظم العلاقات في ما بين الدول العربية، ويوجه العلاقات مع دول العالمquot;

على أن المبادرة جاءت كخطوة جريئة لعلاج الخلل، وهي تمثل اعترافا صريحا لما آل إليه الوضع الراهن، ومما يلفت النظر أن مضمون المبادرة انتقل من مفهوم الخطاب التبريري المكرور إلى طرح يتسم بالشفافية والمكاشفة.

وعند القراءة المتأنية لما جاء في المبادرة، نلحظ ثلاثة أمور أساسية لإصلاح الوضع العربي، تتمثل في: الإصلاح الذاتي، وتطوير المشاركة السياسية، والتكامل الاقتصادي، وهي في تقديري لُب الأزمة الحقيقية التي تعاني منها العقلية العربية.

ولذا كانت (المنفعة الجماعية) هي الركيزة التي تستند إليها المبادرة، وهي الأرضية التي تنطلق منها، وفي ذات الوقت هي الغاية التي ترغب في تحقيقها. وبتحليل النص تجد العبارات (حماية المصالح المشروعة)، (توثيق العمل العربي المشترك)، (إنشاء السوق العربية المشتركة)، (حل الخلافات العربية بالطرق السلمية)، (رفض أي عدوان خارجي غير مشروع على أي دولة عربية)، وهكذا من الآليات التي تصب في دائرة المنفعة، بمعنى آخر، أن المبادرة تنبثق من مفهوم ربط (السياسي) ب (الأخلاقي) بالارتكاز على العقل والضمير.

غير أن المثير فيها ما يتعلق بالمنطلقين الأساسيين لبناء القدرات العربية والانخراط في المنافسة العالمية وهما: الإصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسية، فالملك عبدالله بادر إلى الدعوة إلى الإصلاح الذاتي وفتح النوافذ لدولنا العربية قبل أن يفرض عليها التغيير وفق أجندة (الآخر).

وعندما ينادي بالمشاركة السياسية في عالمنا العربي، فلأنه موقن أن ثمة معاناة يعيشها الإنسان العربي، ولم يعد بالإمكان إقامة مجتمع فاعل ومدني في عالم لا يعرف إلا الأوتوقراطية،ولا يؤمن بالآلية الديمقراطية، من مشاركة سياسية واحترام لحقوق الإنسان وحرية التعبير.

كما أن الإصلاح الذاتي في عمقه، يرتكز على تصحيح الوضع الراهن، ولا ريب في أن ظاهرة الفساد وعدم استقلالية القضاء،فضلًا عن رقابة الإعلام في عالمنا العربي، أدوات فعّالة لتقويض البناء، ولتكريس سلوكيات غير مشروعة كالرشوة واستغلال المنصب أو النفوذ.

ولذلك وصفت المبادرة واقعنا العربي (بالمرير)، وطالبت ببعث (اليقظة) في نفوس الأمة حتى تكون قادرة (على مجابهة التحديات والمخاطر التي تحملها التطورات الراهنة وتداعياتها المتسارعة). وكأني بها تنادي بنشر ثقافة النقد ، وفتح باب المحاسبة والقضاء على البيروقراطية، كما أن محاورها تنزع إلى محاولة ردم الفجوة ما بين الحكومات والشعوب، لأنها تنادي بالتعددية والمشاركة وأهمية الرأي الآخر.

ولعل ما يميز المبادرة هو بعدها عن الحماسة الأيديولوجية أو العاطفة القومية، وارتهنت إلى نزعة عقلانية في ما يتعلق برؤيتها إزاء العمل المشترك لإظهار كتلة عربية على غرار مجلس الاتحاد الأوروبي، فالاقتصاد هو كلمة السحر لصناعة التكتل.

صفوة القول ،إن البراغماتية، وهو ما استندت عليه مبادرة الملك، تمثل النقطة المفصلية في نجاح التجربة،ولعل الجامعة العربية تطرحها للنقاش، فليس بالضرورة أن نتكامل ونندمج بسبب الشعارات والتأثير العاطفي، رغم أهميتهما، بل علينا أن نندمج ونتكامل مع تحقيق الحد الأدنى لمصلحة كل بلد منا، ولا عيب في ذلك، لأنه هكذا تُورد الإبل، إن أراد أمين الجامعة العربية فعلًا تفعيل العمل العربي المشترك ،وتبقى الآمال معقودة على أي حال.