راجح الخوري

الملحّ والمهم وسط هذا الاحتقان المتصاعد، ليس التمادي في القصف بالاتهامات والظنون والتلويح بالثبور وعظائم الامور في مسألة المحكمة الدولية، بل ان تكون وزارة الاتصالات عاكفة الآن، وبأقصى السرعة والجدية، على اعادة مسح الداتا وترتيبها بما يسقط اخطار تسلل العدو الاسرائيلي الى الشبكة، لاسلكية وسلكية.
لكن السؤال الذي كان مطروحا امس، بعد نشر تقرير قوى الامن الداخلي عن وقائع عمليات تعقب المتهم شربل قزي، والذي يفيد بالارقام والتواريخ المتسلسلة، كيف كانت الامور تجري قبل قيام مخابرات الجيش باعتقال قزي، هذا السؤال هو:
في أي بلد نعيش نحن اللبنانيين السعداء؟ وتحت مظلة اي دولة؟ وفي حماية اي امن اذا كان الامن قد صار فعلا كما يزعم البعض، محاصصات طائفية ومذهبية؟


❒ ❒ ❒

لماذا هذا السؤال المركّب؟
لسبب بسيط، هو ان المواطن يفهم ان يكون هناك تنافس بين الاجهزة الامنية، في مكافحة الجواسيس والعملاء، ولكن هذا التنافس يفترض ان يبقى سريا وألا يلغي في اي حال من الاحوال التنسيق الدقيق والوثيق بين كل هذه الاجهزة.
لا يعني هذا الكلام ان ليس هناك تنسيق بين الاجهزة اللبنانية، لكنه يعني بالضرورة ان الحملة التي استهدفت فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي منذ زمن بعيد، وحتى عندما انفجرت حرب نهر البارد على ما يذكر الجميع، هذه الحملة تحديدا هي التي ولّدت الانطباع ان الامن في البلد محاصصة وتنافس، وان في سياق هذا التنافس شيئا من رياح المذهبية والطائفية.
واذا كان البلد مكشوفا امام العدو الاسرائيلي، كما قال السيد حسن نصرالله، الذي كرر اشادته بعمل فرع المعلومات، في القبض على الجواسيس والعملاء، فهل من الجائز استمرار ما يبدو وكأنه quot;تعددية امنيةquot; يرافقها سياق متصل من التحليلات والتسريبات، حاول ويحاول دائما ان يطرح الظنون والشكوك حول عمل quot;فرع المعلوماتquot;؟
واذا كان تقرير قوى الامن الداخلي عن تعقب الجاسوس قزي، قد خلص الى التأكيد ان سبب التأخر في كشف هوية هذا العميل، عائد الى تأخر حصولها على قاعدة بيانات الاتصالات الهاتفية من الوزارة المختصة (!) فهل هذا يعني ان هناك فعلا تنسيقا دقيقا بين مخابرات الجيش التي وُفّقت في اعتقال هذا العميل، وفرع المعلومات، وكل من الجهازين يعمل لخدمة امن واحد ووطن واحد على ما يفترض في هذه الدولة الرائعة؟!
ليست القصة قصة quot;سافاري الجواسيسquot; بمعنى الخروج التنافسي لاصطياد العملاء والتسابق على كشفهم. ولكن لان الامور تبدو على هذا النحو منذ زمن ويا للاسف، فقد اوحى السؤال الخطير الذي طرحه السيد حسن نصرالله وكأن quot;فرع المعلوماتquot; كان يملك معلومات عن الجاسوس قزي ولم يبادر الى اعتقاله!
لا ندري ماذا سيكون الرد على تقرير قوى الامن الداخلي، لكن من حق المواطن اللبناني ان يعرف خاتمة سعيدة تطوي الشكوك وتنفّس الاحتقان المتزايد، وخصوصا بعد القاء مزيد من الشكوك حول المحكمة الدولية واغراقها في اتهامات التسييس والخضوع للمؤامرات، وهي لم تصدر اي بيان او اشارة تتصل بكل الروايات الصحافية التي سبق ان نشرت واشارت الى تورط عناصر من quot;حزب اللهquot;، وهو ما اثار ردات فعل وتصريحات مستنكرة من كل قوى 14 آذار على ما يتذكر الجميع.


❒ ❒ ❒

واذا كان السيد حسن نصرالله انطلق من اختراق اسرائيل شبكة الاتصالات، للقول ان حجر الزاوية في عمل المحكمة، الذي قد يقوم على قرينة الاتصالات، قد انهار، فان الذهاب الى حد الادانة المسبقة والمطلقة للمحكمة واعتبارها بؤرة مؤامرة حتى قبل ان تصدر قرارها الظني مسألة تستحق التأمل مليا، وخصوصا عندما يقرأ اللبنانيون كلاما سوريا لا يحكم على المحكمة بالاعدام سلفا كما هو حاصل في لبنان. فقد كان لافتا جدا قول الوزير وليد المعلم:
quot;كلنا يسعى الى كشف الحقيقة. اما اذا كان الموضوع مسيّسا ويستهدف هذا الحزب او ذاك (...) فهذا يعني تسيّسا للمحكمة وابتعادا عن كشف الحقيقةquot;.
واضح ان هذا الكلام لا يدين المحكمة سلفا وخصوصا عندما يقول المعلم: quot;اذا ثبت تورط اي مواطن سوري بالدليل القاطع فسيحاكم في سوريا بتهمة الخيانة العظمىquot;، بما يعني ضمنا ان سوريا لا ترفض المحكمة بل تطالبها بالادلة القاطعة، وهذا هو المنطق المطلوب في الحرص على الحقيقة، الذي طالما اجمع عليه اللبنانيون في الاعوام الماضية!