حسان حيدر


كنا نعتقد ان laquo;حزب اللهraquo; سيعلن في ذكرى حرب تموز(يوليو) مفاجآت لاسرائيل تقض مضجع سياسييها وتربك قادة جيشها وتتركهم في حيرة مما ينتظرهم فيما لو أقدموا على مغامرة عسكرية جديدة في لبنان، على ما درج عليه منذ وقف اطلاق النار قبل أربع سنوات، لكن المفاجأة الفعلية كانت انه خصص laquo;مفاجآتهraquo; هذه المرة للبنانيين، فأنذرهم بسوء عاقبة المحكمة الدولية وقسمهم الى فسطاطين: بيئة مقاومة وبيئة حاضنة للعملاء، ليس بينهما منطقة رمادية، فزاد بينهم التوتر الذي لم ينخفض أصلاً منذ إعلانه حالة الحرب الابدية مع الكيان الصهيوني والتي لن تنتهي كما قد يخيل للبعض باستعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ... وشجرتي زيتون عند مفترق طرق يتكتم عنه ولا يعرف موقعه الا الموغلون في العلم، وأحدهم حليفه النائب ميشال عون.

وهذا الأخير لم يتبرأ من تهمة laquo;العلمraquo; هذه في تصريحاته التي تشبه الفتاوى والنبوءات، بل أصر على انه ضليع بتفاصيله وشدد على صحة laquo;سيناريو الفتنةraquo; الذي نسب اليه واعتمده الحزب أساساً لموقفه laquo;الجديدraquo; من المحكمة، وقال: laquo;لا أنفي هذا السيناريو اطلاقاً. هكذا تخيلته. أنا رجل عسكري واختصاصي في الحرب الثورية، أعرف كيف تكونraquo;.

لكن عون قطع هذه المرة خطوة اضافية في تأكيد صدقية تحالفه مع laquo;حزب اللهraquo; فأدخل نفسه طرفاً في الفتنة إياها التي يحذر منها، وقال لأمينه العام laquo;يريدون أن يقتلوكم مرة ثانية يا سيدraquo;، حتى كاد الدمع ينفر من عينيه وهو يدخل مفتخراً laquo;موسوعة كربلاءraquo;.

اما laquo;القتلةraquo; الذين يقصدهم عون فمعروفون: انهم قضاة المحكمة الدولية ومحققوها، وكل من ينتظر القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري، ومن يعتبر المحكمة مؤسسة دولية قائمة بذاتها لا يستطيع أحد أن يؤثر على قراراتها التي تبنى على حقائق التحقيق وحدها، يضاف اليهم كل الذين بقوا أحياء بعد laquo;بروفةraquo; السابع من أيار(مايو).

كذلك اقترب عون خطوة اضافية من المرجعية الأعلى لحلفه المقدس، أي طهران، فتبنى أسلوب كشف الغيب والمؤامرات الذي يبرع فيه قادتها، ويضع العالم كله في كفة وإيران في كفة موازية، ولا يقبل ايضاً المناطق الوسطى أو الموشحة بين الاسود والابيض، فإما ان تكون مع الثورة او ضدها، وإما ان تكون مع المقاومة او عميلاً لإسرائيل. وهكذا يصبح المحتجون في شوارع طهران على تدهور معيشتهم واستلاب ارادتهم شركاء لـ laquo;الشيطان الأكبرraquo; وجواسيس ومارقين، ويصبح من يرفض الزج بلبنان في صراع دائم وملتبس الاهداف متآمراً يستحق ان ينزل به عقاب laquo;تغيير قواعد اللعبةraquo;، حتى لو لم يكن طرفاً فيها.

والجهد الذي يبذله عون مرة بعد أخرى لإثبات اخلاصه لحليفه وقدرته على التكيف مع كل ظرف واجتهاد جديدين، هو بالتأكيد جزء من انخراطه في منظومة اللونين التي لا تقبل ثالثاً، وتماهيه الى حد الذوبان في تحالفه، لكن الخشية هي ان يصل الامر به الى اكتساب laquo;ملكة الانتحارraquo; التي تلوح في خلفية سلوك حلفائه داخل لبنان وخارجه.