هالة الدوسري


على خلفية الجدل القائم حول النقاب في فرنسا وبلجيكا وإسبانيا، صدر مقال مهم في laquo;النيويورك تايمزraquo; لمناقشة الأسباب المطروحة سياسياً واجتماعياً لمنع النقاب في الغرب، تقدم كاتبة المقال مارثا نوسبوم الأسباب المطروحة من معارضين للنقاب، وتطرح في مقابلها التحليل المقابل لها من وجهة النظر القانونية والأخلاقية. أهمية هذا الطرح هو كونه الأول، ربما من وجهة نظر غربية يغلب عليها الموضوعية، بدلاً من التعجل في قراءة الاحتمالات، تنطلق الكاتبة من مبدأين أساسيين في النظر إلى أي ممارسة دينية، وهما حرية الاعتقاد الديني والممارسة الدينية.

ولحماية حرية الاعتقاد للجميع قرر laquo;جون لوكraquo;، أحد فلاسفة القرن الـ17، أن ما يحتاجه واضع القانون هو التأكد من وجود قانونين فقط هما قانون لا يجرم الاعتقاد الديني وقانون لا يميز بين الناس في الممارسة الدينية، ويقرر laquo;لوكraquo; أنه في حال تعارضت حرية الممارسة الدينية مع القوانين الوضعية فإن من حق الناس اتباع معتقداتهم بدلاً من القانون، وتظهر خطورة هذا المبدأ حين تقوم الدولة بوضع القوانين المناسبة والمحتوية للممارسات الدينية، وهي هنا تحدد بناء على عدد الممارسين، فتحترم القوانين غالبية الممارسات الدينية وليس بالضرورة كلها، وتبقى الممارسة الدينية للأقليات غير محددة قانونياً.

وتظهر هنا وجهة نظر فيلسوف آخر، laquo;روجر ويليامزraquo;، الذي ألف عدداً من الكتب الدينية والفلسفية، يؤكد ويليامز على أهمية احتواء الأقليات في تطبيق القوانين، وعدم إجبارهم على اتباع القوانين المخالفة لاعتقادهم الديني، وعلى رغم أن مبدأ الاحتواء الذي وضعه ويليامز أفضل من المبدأ الأكثر تعميماً الذي وضعه لوك إلا أن الأول لا يزال عرضة للخلل في التطبيق بسبب عدم قدرة القاضي في مجتمع مدني على الحكم بحيادية في مبدأ ديني مختلف عليه وربما يصعب عليه تفسيره، عرضت الكاتبة في مقالها لخمسة أسباب رئيسة اعتمد عليها المعارضون للنقاب في الغرب، وهي مبدأ الأمن الذي يتطلب إظهار الوجه للتحقق من الشخصية، ومبدأ تعثر التواصل الاجتماعي بين الناس في حال تغطية أحد لوجهه وغياب عنصر الشفافية ومعرفة ردود الفعل.

وللرد على كليهما كأسباب تتعارض مع تطبيق مبدأ حرية الاعتقاد بلا تمييز، تقارن الكاتبة بين أوضاع المنقبات قانونياً وبين أوضاع من يقومون بتغطية وجوههم ووجوههن بسبب ممارسة رياضة ما، أو قيادة مركبة سريعة، أو حتى بسبب الأحوال الجوية، فهل سيتم تطبيق القانون نفسه عليهم، أم سيتم تطبيقه على المنقبات لسبب ديني فقط، وبذلك يتم خرق مبدأ التمييز في تطبيق القانون؟

وعلى رغم موافقة المنقبات على إصدار أوراق ثبوتية بصور شخصية إلا أن الصور الشخصية وحدها لا يعتد بها كإجراء أمني للتحقق من الشخصية في أي مكان، فلابد من البصمة وفحص العين أيضاً في المطارات والسفارات، وكلاهما لا يحتاجان لكشف الوجه، وتناقش الكاتبة السبب الثالث الذي يتم تقديمه لمنع النقاب وهو حماية المرأة من النظرة الذكورية لها كجسد يجب تغطيته أو رمز للفتنة، وتتساءل هل سيتم تجريم المجلات والأفلام والدعايات والجراحات التجميلية وغيرها التي تعرض المرأة كجسد مغرٍ أيضاً، أم يتم تطبيق القانون على المنقبات فقط؟

وهناك الدفع بالضغط على النساء لارتداء النقاب من دون رغبة منهن كسبب لتقنين تلك الممارسة، وهي هنا ترفض تلك الحجة على أساس أنها افتراضية ولا تتأكد بالضرورة من مسببات النقاب لدى كل سيدة منقبة، كما تدعي ضآلة تلك الحجة على اعتبار أنها غير قابلة للتصديق في المجتمعات الغربية التي تحترم حقوق النساء وتعاملهن كمواطنات لهن حقوق المواطن الرجل نفسه في التعليم والعمل والتنقل، كما تضع قوانين صارمة لحمايتهن من العنف المنزلي في حال التبليغ، كما تفترض تلك الحجة أن المسلمات وحدهن يتعرضن للعنف من الرجل، بينما تثبت الأرقام والإحصاءات المنشورة أن العنف موجود في كل الأديان والخلفيات وللعديد من الأسباب، وبالتالي ومع توفر الفرص والإمكانات للمسلمات في تقرير مصيرهن وبدعم من القوانين فليس هناك مبرر لافتراض أن الرجال في العائلات المسلمة يمارسون قمعاً على النساء لا يستطعن منه الفكاك. ولم تنسَ الكاتبة أن تعرض على حجة أن النقاب يمثل عبئاً على من ترتديه بسبب الحرارة والرطوبة، وقررت أن تقدير ذلك هو أمر شخصي، كما أن ارتداء الكعب العالي والملابس المكشوفة في الشمس تمثل خطورة صحية ولكن لا يمنع ارتداؤها، ومن هنا تخلص الكاتبة إلى السبب الأساسي ndash; من وجهة نظرها - في سياسة منع النقاب في الغرب، وهو مجرد خوف من laquo;الأسلمةraquo; ليس إلا.

لا يمكن الاعتداد بأي حجة مذكورة في رفض النقاب في مجتمع لا تمييز فيه بين الأفراد في حرية الاعتقاد، وبعيداً من صحة الحجج التي يسوقها المشرعون في مواقفهم من الممارسات الإسلامية، فالقارئ لا يمكن له سوى أن يتفق مع ما ذهبت إليه المحللة وأستاذة القانون والفلسفة والعلوم الدينية من طرح، في مجتمع يتمتع كل شخص فيه بحرية الاختيار وبدعم القانون لا يمكن أن نفترض القهر ولا الجبر في أي ممارسة دينية على الأقل من الناحية الرسمية، ولا أملك سوى أن أطرح ما أراه هنا أيضاً، إضافة إلى الطرح السابق لحجج رفض النقاب.

النقاب كما عرفه الغرب رمز بالفعل للمرأة المسلمة في وسط محافظ وتقليدي، وهو يعني عزل وحجب المرأة عن الرجل باعتبار جسدها مصدراً للفتنة، ويقتضي ذلك العزل منع المرأة من الاختلاط بالرجال لغرض التعلم أو التنقل أو العمل بلا زي ساتر لها. ينظر المشرع في الغرب إلى المرأة في العالم العربي والإسلامي ككائن ضعيف لا تدعمه القوانين قبل أن يضع حجة ما ليحمي بها خوفه من انتشار ثقافة العزل في مجتمعه الذي ثبت سياسات عدم التمييز ضد المرأة، وربما تناسى المشرع هنا حماية حرية الاعتقاد في خضم الدفاع عن حرية عدم التمييز بسبب الجنس.