راجح الخوري

هكذا اذاً. بعد 17 جولة من المحادثات الفاشلة جدا، التي اجراها المبعوث الاميركي السناتور جورج ميتشل، محاولا اقناع الحكومة الاسرائيلية باستجابة الشروط الضرورية التي تمهد لانخراط جاد في مفاوضات التسوية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، بدا اول من امس وكأنه تحوّل من وسيط الى حامل انذارات!
ما يستدعي مرارة السخرية ان ميتشل حمل رسالة quot;انذارquot; الى الضحايا لا الى الجزارين على ما يفرض الحد الادنى من المنطق والعدالة. فلقد كشف صائب عريقات ان ميتشل نقل الى الرئيس محمود عباس رسالة من الرئيس باراك اوباما، مفادها ان عليه ان ينتقل الى المفاوضات المباشرة بسرعة اذا كان يريد فعلا مساعدة الرئيس الاميركي على اقامة دولة فلسطينية!


❒❒❒

المثير ان هذه الرسالة المفاجئة تقع في 36 صفحة ولكنها لا تتضمن اي اشارة يمكن ان تشكل ما يشبه الالتزام بان الادارة الاميركية تتعهد رعاية المفاوضات على قاعدة الاصرار على دفع اسرائيل لاستجابة الشروط العادلة والبديهية، التي تضمن فعلا الوصول الى تسوية.
ومن المعروف ان محمود عباس كرر دائما في الفترة الاخيرة انه لا يمانع في الانتقال الى المفاوضات المباشرة، لكنه يخشى ان يدخل في حلقة مفرغة جديدة من تضييع الوقت والصدقية طبعا، ولهذا طالب بضمانات خطية سواء من اسرائيل او من اميركا تتعهد العمل الجاد للوصول الى نتائج ملموسة، لكنه لم يتلق سوى الرفض من الطرفين، ثم جاءته رسالة الانذار المستعجل من اوباما:
اذا كنت تريد مساعدتي في التوصل الى قيام الدولة الفلسطينية عليك الذهاب بسرعة الى المفاوضات المباشرة مع بنيامين نتنياهو!
طبعا هذه ليست رسالة ولا هي انذار مستعجل الى عباس، لكنها عمليا مجرد بيان انتخابي من اوباما الى المقترعين اليهود في اميركا تدعوهم او بالاحرى تغريهم بالتصويت الى جانب مرشحي الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية للكونغرس التي ستجري في تشرين الثاني المقبل.
هكذا بالضبط. quot;انذارquot; صريح لم يتضمن حتى مجرد اشارة شكلية الى ضرورة وقف عمليات الاستيطان الناشطة في القدس، او الاستمرار في وقف الاستيطان في الضفة الغربية.


❒❒❒

المثير اكثر من كل هذا، ان جل ما تطلبه السلطة الفلسطينية هو الحصول على ما يساعدها فعلا على قبول العودة الى المفاوضات المباشرة. وفي هذا السياق قال عباس اول من امس بعد لقائه الملك عبدالله في عمان:
quot;المفاوضات المباشرة ممكنة وممكنة جدا، اذا تم الاتفاق على مرجعية للمفاوضات من كلمتين هما: الحدود على اساس خط الرابع من حزيران 1967، ووقف الاستيطانquot;.
هل هذا كثير؟ وعلى ماذا يفاوض الفلسطينيون اذاً؟ وكيف يمكن ان تقوم الدولة الفلسطينية اذا لم تكن الحدود ووقف الاستيطان في صلب جدول المفاوضات؟
واذا كان باراك أوباما الذي ملا فضاء العرب بالوعود الرومانسية في بداية عهده، قد وصل الآن بعد اقل من عامين، الى حد تبني الموقف الاسرائيلي من مسألة الذهاب الى المفاوضات المباشرة ومن دون اي ضمانات للفلسطينيين، فهل يمكن تصديق المزاعم التي تقول انه بعد الانتخابات النصفية، سيبدأ بممارسة ضغط قوي على اسرائيل لانجاح التسوية واقامة الدولة الفلسطينية؟!