علي الظفيري

حيرنا أبومازن حين قال إن الدكتور يوسف القرضاوي لا يفهم في الدين. فذلك مما يسيء إلى الرئيس الفلسطيني سواء كان جادا أو مازحا. فإذا كان جادا فهو يعني أنه لا يعرف أقدار أهل العلم، وإن ثقافته في علم الرجال بمثل ثقافته في علم السياسة. أما إذا كان يمزح فإن التعبير قد خانه بما أساء إليه وأشاع من الاستهجان بأكثر مما أشاع من المرح.
لا يستحق كلامه في هذه النقطة مناقشة ولا ردا، ليس فقط لهبوط مستوى التعبير فيه، ولكن أيضا لأن قدر الشيخ يوسف لا يحتاج إلى شهادة من أبو مازن، ناهيك عن أنه إذا شهد لصالحه فربما كان ذلك مصدر شبهة له وخصما من رصيده. فضلا عن هذا وذاك. فإن الشيخ يوسف أولى بالرد، إذا وجد فيما نسب إليه ما ينبغي أن يرد. لكن ما يتمنى في الفرقعة التي أحدثها كلام الرئيس الفلسطيني أن غضبه على الشيخ يوسف الذي دفعه إلى إخراجه من زمرة أهل العلم يرجع إلى أن الشيخ في إحدى خطبه حرم زيارة القدس وهى تحت الاحتلال. ولأن مسؤولي السلطة في رام الله من أنصار دعوة الجميع إلى زيادة القدس والضفة، باعتبار أن الذي يقبل بالتنسيق الأمني مع إسرائيل يدهشه أن يستنكر أحد زيارة القدس بختم إسرائيلي.
طبقا للنص الذي نشر على لسان أبو مازن يوم الجمعة 30/7. أثناء لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية، فإن الحجة التي استند إليها الرئيس الفلسطيني في laquo;شلحraquo; الشيخ يوسف هي أن وزير الأوقاف الفلسطيني رد على تحريم الشيخ يوسف بقوله إن الذهاب إلى القدس مذكور في القرآن والسنة. وأن الوزير المذكور ـ اسمه الهباش ـ طلب من الشيخ يوسف دليلا على تحريم الزيارة، لكنه laquo;عجزraquo; عن ذلك. في ذات الوقت ـ والكلام لا يزال لأبو مازن ـ ظهر أحد شيوخ السلطة في رام الله ـ اسمه البيتاوى ـ الذي laquo;بطحraquo; القرضاوى في الجولة الأولى. وبعد هذه الشهادة ادعى أبو مازن أنه هو من عيَّن القرضاوي في قطر laquo;وهو ما نفاه الشيخraquo;، ثم دعا عليه قائلا: الله لا يوفقه.
دعك من مستوى الكلام، الذي لا يجرؤ أبو مازن على أن يخاطب به الإسرائيليين، لكني سأناقش الفكرة الأساسية التي استند إليها، والتي يرددها غيره من أهل الحكم، ومنهم وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود زقزوق.
أولا لا أعرف من أين جاء أبو مازن والسيد الهباش بما ذكره الاثنان من أن الذهاب إلى القدس مذكور في الكتاب والسنة، لأن القرآن لم يشر إلى مسألة الزيارة هذه في أي موضع. كما أنه لم يحث على زيارة أي مكان باستثناء الكعبة. على اعتبار أن حج البيت من أركان الإسلام. أما ما ورد في الحديث النبوي فهو لا يتجاوز قول النبي عليه الصلاة والسلام أن الصلاة في بيت المقدس تعادل 500 صلاة، وفي المسجد النبوي بالمدينة بألف صلاة، أما الصلاة في المسجد الحرام (في مكة) فهي بمائة ألف صلاة.
ثانيا أننا حتى إذا افترضنا أن الصلاة في بيت المقدس مأمور بها ـ وهو غير صحيح ـ فإن تنزيل ذلك الأمر على الواقع يخضع للموازنة بين المصالح والمفاسد التي تترتب على ذلك، وثمة فتوى شهيرة للعلامة الجويني إمام الحرمين، قرر فيها أن سفر الحاكم ـ نظام الملك ـ لأداء فريضة الحج التي هي من أركان الإسلام ـ لا يجوز ويصبح منهيا عنه، إذا ترتب على السفر تعطيل مصالح المسلمين جراء غيابه. وهى الفتوى التي دعته إلى تأليف كتابه laquo;غياث الأمم بالتياث الظلمraquo;. الذي انطلق فيه من ضرورة تغليب المصلحة العامة على الخاصة في تنفيذ التكاليف والأحكام الشرعية. وفي حالتنا فإن مفسدة زيارة القدس وهى تحت الاحتلال مقطوع بها.
ثالثا أن محبذي الزيارة من أمثال السيد الهباش والدكتور زقزوق وغيرهما. يعمدون إلى القياس على قيام النبي عليه الصلاة والسلام بالعمرة في وجود المشركين بعد عام من صلح الحديبية، واعتبروا أن ذلك لم يكن laquo;تطبيعاraquo; معهم. وهو قياس فاسد. لأن المشركين لم يكونوا مغتصبين آنذاك، ولكنهم كانوا أهل البلد وأصحابها، بعكس الحالة التي نحن بصددها. ثم إنهم غادروا مكة وصعدوا إلى الجبال حين دخلها النبي. ومن ثم كانت له اليد العليا في المدينة طوال الأيام الثلاثة التي اعتمر فيها. وهو وضع لا يكاد يقارن بوضع القدس الآن التي يدخل إليها الداخلون تحت حراب الإسرائيليين وبإذن منهم.
إن بعض الرؤساء حين يأخذون راحتهم في الكلام تنكشف لهم عورات تفضحهم والسيد أبو مازن واحد من هؤلاء. ليته كان أكثر لباقة واحتشاما. ولو أنه سكت لكان خيرا له.