عبد الرحمن الراشد


شبت معركة مع واحدة من خدمات الرسائل الهاتفية (البلاك بيري)، أولا بحجة المواقع الإباحية وحماية الأخلاق، ليتبين لاحقا أنها مشكلة أمنية. فهي الخدمة الوحيدة خارج نطاق الرقابة الأمنية، رغم ما قيل من مبررات لحجبها. ويصعب علي أن أصدق حتى ما قاله مسؤولون في الكويت؛ من أنهم سيحجبون الخدمة إن لم تستجب لهم بإغلاق ثلاثة آلاف موقع إباحي، لأنني واثق من أن المشكلة أمنية وليست أخلاقية، ومن المؤكد أن الشركة لن تقبل بإغلاق موقع واحد، مما يبرر غدا إغلاق كامل خدمتها في منطقتنا.

وستنتهي المعركة بمنتصر واحد، إما الحرية أو الأمن، فماذا تختارون؟ الـlaquo;بلاك بيريraquo; يعني أقصى أنواع الحرية التي تتيح للجميع أن يتراسل بعضهم مع بعض دون أن يستطيع أحد أن يتلصص على ما يبوحون به من أسرار وخصوصيات أو يمنعها. ومن جانب آخر نحن نعيش في واحد من أسوأ الأزمنة، من حيث الإرهاب والقرصنة والأنظمة المتمردة والحروب الكبيرة المستمرة، وبسببها تتعاظم الأخطار مع استخدام الإرهابيين لشبكات الاتصال الحديثة لتنفيذ جرائمهم. والأجهزة الأمنية تقول إنها استطاعت إنقاذ حياة كثير من الناس بفضل الترصد الرقابي، وهذا ما يجعل الـlaquo;بلاك بيريraquo; محل اعتراضهم اليوم، لأنه النظام الهاتفي الشعبي الوحيد الذي لا تستطيع أجهزة الأمن فك شفرته. ولو كنتَ في السعودية، حيث إنها البلد المستهدف الأول في العالم من قبل تنظيمات مثل laquo;القاعدةraquo;، أو كنت تعيش في الإمارات العربية المتحدة، البلد الذي يقع على خط المواجهة مع إيران، فإن العامل الأمني يصبح فوق الخصوصية المدنية. هذه وجهة نظر الحكومات التي تعتبر نفسها في حالة حرب مستمرة من أجل ضمان استقرار مجتمعاتها وسلامتها.

أما وجهة نظري كفرد عادي، فإن الحكم في هذا الموضوع ليس سهلا لأن الخيار بين أغلى اثنين؛ بين قلب الإنسان وعقله، بين الحرية الشخصية وسلامة المجتمع. ولو خيرت شخصيا سأقدم الحرية على كل شيء آخر، لكنني أعرف جيدا أن هذا ليس قرار الفرد العادي بل قرار حكومات تعتبر نفسها هي المسؤولة والمحاسبة عن النتيجة النهائية. ولا أريد أن أدخل في جدل حول أهمية الحرية لأنني أدرك أن المسؤول يفضل أن يدير قطيعا طيعا، لا أفرادا لهم خياراتهم المختلفة في الحياة. ولهذا لو كان الخيار لي لفضلت الـlaquo;بلاك بيريraquo; على سلامتي، لكن المسألة ليست مطروحة للتصويت. ولا أعتقد أن الـlaquo;بلاك بيريraquo; سينجو من الملاحقة ما لم يتمكن الأمنيون من كسر الشفرة والدخول إلى صندوق الشركة وفحص كل ما بداخلها من رسائل ومكالمات. والحقيقة أن الشركة المشغلة laquo;رمraquo; لا تملك حجة جيدة في معركتها مع الدول التي تلح بحق المرور والاطلاع، لأن الشركة تسمح للأمن في كندا والولايات المتحدة وبريطانيا بالاطلاع وتمنع بقية الحكومات بحجة حماية الخصوصية.

ولو أن الحريات الشخصية مقبولة وتحترم في منطقتنا ما كان يهمنا من يتلصص عليها، لكن بكل أسف حريتنا شبه معدومة بسبب التضييق المستمر.