حسين الراوي


ألقى الكاتب والصحافي العالمي الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز خطاباً بمناسبة حصوله على جائزة نوبل للآداب وذلك في عام 1982 ميلادي، أمام حشد غفير ضم الكثير من الكُتاب والصحافيين والسياسيين والمسؤولين في العديد من البلدان، وخطابه ذاك ما يزال عالقاً في ذاكرة التاريخ، لأنه كُتب بحبر الصدق والضمير والشجاعة. ولقد انتقيت منه هذه السطور الرائعة:
laquo;الرجلان اقتسما الجائزة، لكن المصير اختلف من أحدهما إلى الآخر، الاتفاقية ترتب عليها في حالة أنور السادات انفجار بركان الغضب داخل جميع الدول العربية، فضلاً عن أنه، ذات صباح من أكتوبر 1981 دفع حياته ثمناً لها. أما بالنسبة لبيجين، فلقد كانت هذه الاتفاقية نفسها بمثابة الضوء الأخضر، ليستمر بوسائل مبتكرة في تحقيق المشروع الصهيوني الذي لا يزال حتى هذه اللحظة يمضي قدماً. أعطته الجائزة أول الأمر الغطاء اللازم حتى يذبح، بسلام، ألفين من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات داخل بيروت عام 1982 المؤكد أن اتفاقيات كامب ديفيد، بالإضافة إلى جائزة نوبل للسلام، تجاوزت شخص مناحيم بيجين، لتشمل أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة، خاصة ناظرها الجديد ارييل شارون. جائزة نوبل في السلام فتحت الطريق على مصراعيه لقطع خطوات متزايدة السرعة نحو إبادة الشعب الفلسطيني، كما أدت إلى بناء آلاف المستوطنات على الأرض الفلسطينية المغتصبة.
لن ننسى، نحن الذين نقاوم فقدان الذاكرة، الوعاء الفكري لممارسات النازية، ارتكز هتلر على نظرية المجال الحيوي لتحقيق مشروعه التوسعي باحتلال أرض الغير، وقد قال بيجين صراحة أن الأراضي المحتلة في 1967 هي ممتلكات يهودية ليس من حق أحد أن يطالب باستعادتها، الركيزة الثانية هي ما سماه الحل النهائي لمشكلة اليهود. معسكرات الاعتقال سيئة السمعة كانت في نظره المخرج المناسب. إبادة جماعية، يولغ في سرد وقائعها لتبرير إبادة جماعية أخرى. أما حكاية الملايين الستة من اليهود ضحايا هتلر، فلقد انضمت إلى ترسانة الخرافات اليهودية، تمهيداً لإعادة ارتكابها من جديد تحت غطاء جائزة نوبل للسلام.
استندت نظرية المجال الحيوي الصهيونية إلى أن اليهود شعب بلا أرض، وأن فلسطين أرض بلا شعب. هكذا قامت الدولة الإسرائيلية، غير المشروعة في 1948. فلما تبين أن هناك شعباً، وأن في فلسطين شعباً يسكن في أرضه، كان من الضروري حتى لا تكون النظرية مخطئة إبادة الشعب الفلسطيني، وهو ما يتم بصورة منهجية منذ أكثر من خمسين عاماً، لكن جائزة نوبل للسلام، بالإضافة إلى اتفاقية كامب ديفيد، اتخذت شكل الإذن الدولي بالقتل الذي لا يجرمه أحد. وقد تمكنت أجهزة الإعلام التي يسيطر عليها اليهود من إقناع البلهاء في الغرب بهذه الأكاذيب، مستثمرة عقدة الذنب عند القتلة، فباركوا المزيد من المذابح، لولا أن العالم استيقظ فجأة على أن هناك شيئاً اسمه الشعب الفلسطيني. ولم يلفت الانتباه إليه تمثيله الديبلوماسي أو مشاركته في المحافل الدولية. ما لفت الانتباه إلى وجوده هو هذا الأنين الصادر عن شعب يتعرض للإبادةraquo;.
laquo;هناك بلا شك أصوات كثيرة على امتداد العالم تريد أن تعرب عن احتجاجها ضد هذه المجازر المستمرة حتى الآن، لولا الخوف من اتهامها بمعاداة السامية أو إعاقة الوفاق الدوليraquo;. laquo;أنا لا أعرف هل هؤلاء يدركون أنهم هكذا يبيعون أرواحهم في مواجهة ابتزاز رخيص لا يجب التصدي له بغير الاحتقار. لا أحد عانى في الحقيقة كالشعب الفلسطيني. فإلى متى نظل بلا ألسنة، ولم أجد من يومها من يدعوني إلى أي احتفال ببطولة الشعب الفلسطيني في أي مسرح تحت رعاية أي وزارة. هذا ما يدفعني الآن إلى التوقيع على هذا البيان بشكل منفرد، أنا أعلن عن اشمئزازي من المجازر التي ترتكبها يومياً المدرسة الصهيونية الحديثة، ولا يهمني رأي محترفي الشيوعية أو محترفي معاداة الشيوعية. أنا أطالب بترشيح ارييل شارون لجائزة نوبل في القتل، سامحوني إذا قلت أيضاً إنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل. أنا أعلن عن إعجابي غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الإبادة، على الرغم من إنكار العظمى الأعظم أو المثقفين الجبناء أو وسائل الإعلام أو حتى بعض العرب لوجوده. بشكل منفرد، إذاً، أنا أوقع على هذا البيان باسمي، غابرييل غارسيا ماركيزraquo;.