يوسف الكويليت

باكستان في أزمة بعلاقاتها مع أمريكا وبريطانيا، فرئيس وزراء بريطانيا وسَمها بالتعاون مع طالبان واحتضان الإرهاب، وهي تهمة جاءت بعد تسريبات الصحف الأمريكية لتقارير تفيد بأن المخابرات الباكستانية تتعاون مع طالبان ولا تنفذ الشروط المتفق عليها مع الدولتين..

قد تكون هذه الاتهامات والتقارير صحيحة، ولو بنسبة الثلاثين في المائة، وربما أن عناصر من خارج السلطة الباكستانية هم من قام بذلك ، وإذا ماعرفنا أن الجيش والاستخبارات لا يخضعان للسلطة، فإن الاحتمال بلعب هذه الأدوار وارد، لكن هل يحتاج الغرب إلى باكستان ليس في حربه مع طالبان، وإنما لتأمين خاصرته في مكافحة الإرهاب، وعدم توسعه؟ وفي حال لو سقطت باكستان وتحولت إلى دولة طالبان، فهل يمكن معالجة وضع بلد يملك أسلحة نووية، ويؤثر في كل محيطه الآسيوي، بأن تصبح قنوات الاتهامات المتبادلة مفتوحة، دون أن يكون هناك مجال للدبلوماسية الضاغطة، وأشدد على هذه الكلمة، حتى لا تخرج عن سياقها الطبيعي والتي ما زال الغرب يعتمد عليها في مكافحة الإرهاب المتحصن في جبال أفغانستان وباكستان، لتشكّل تلك القبائل التي يعود الأكثرية فيها إلى أرومة واحدة قوة نفوذ جاءت أسبابها من غباء سياسة الغرب؟

ثم إن تسريب تلك المعلومات أفاد طالبان وعزز وجودها، وهي محتاجة إلى هذا الدفع المعنوي عندما يأتي من أشد محاربيها وخصومها، وأيضاً اعتبار الجيش والاستخبارات الباكستانيين هما في بند الاتهامات ما لم يثبت العكس..

وفي محيط بلدين كل شيء يحرّم ويُباح، بما في ذلك استشراء الفساد، وتهريب وزرع المخدرات، لا تستطيع أمريكا وبريطانيا الاستغناء عن باكستان، ليس حباً وولاءً لها، لكنها الخيار الوحيد لمكافحة الإرهاب، وتبقى المحافظة على أمنها ضرورية ليس فقط لإصلاح الدولة وأجهزتها، أو استخدام المساعدات في بناء كيانات حديثة تنعم بالمتطلبات الحقيقية للفقراء عملاً بمبدأ الحرب الناعمة، وإنما لأن أي خلل في باكستان وتعرّضها لانقلابٍ أو انفلات أمني، ربما يأتي لصالح المتطرفين..

صحيحٌ أن الجيش هو الذي يحكم سلطته على الدولة والشارع مثلما كانت تعيش نفس المرحلة تركيا مع قادة عساكرها، لكن طبيعة باكستان مختلفة إذ عاشت تحديات جارتها الكبرى والتي رأت في انفصالها نموذجاً لتفتيت وحدتها، لكن القضية أكبر من تنازع على كشمير عندما أصبحت الأدوار تدار من قوى دولية أخرى، حتى إن تصاعد الواصلين من أوروبا، وخاصة ألمانيا للانخراط في التدريب على السلاح، والتفخيخ، والقيام بأدوار داخل القلاع الأوروبية والأمريكية، فرَض التعاطي مع باكستان القائمة مهما كانت الوسائل، لأنه لا مجال لخلق قوة صدّ ضد الإرهاب المتجذر بهذه المنطقة سوى باكستان..

ولو انفلت الأمن هناك، فإن الأحداث قد تتوالى لتجرّ طابوراً من العالم الإسلامي وغيره في تدريب كل إرهابي تدفعه بواعثه، وأولها عداؤه للغرب، أن تنقلب موازين القوى ليصبح العالم رهينة أخطر رحلة في زعزعة أمنه، وبالتالي فأمن باكستان هو أمن عالمي، وأي طريق يهدم هذه العمار فسوف تتساوى عنده الخسائر على الجميع..