وفيق السامرائي

إذا صح ما قيل عن أن عدد ما كشف من الجواسيس أو الشبكات الإسرائيلية في لبنان بلغ المائة خلال سنتين، فإن عمليتي التجنيد والكشف تستحقان دراسة فنية معمقة، ووضعهما على رأس منجزات أجهزة الأمن والاستخبارات في العالم.

فمن جانب، يعتبر تجنيد عدد كبير من العملاء - ونسبة منهم يعملون في مفاصل مهمة من الدولة - نجاحا استثنائيا على مستوى الاستخبارات العالمية. ومن جانب آخر، يعد كشفهم بالجملة خلال سنتين عملا مميزا من قبل أجهزة مكافحة التجسس اللبنانية. غير أن الحملة تطرح تساؤلات كثيرة عن ماهية التطورات التي أدت إلى نتائج إيجابية كبيرة، وأسباب الفشل الأمني قبل هذه الفترة.

وتعكس عمليات التجنيد كفاءة أجهزة المخابرات الإسرائيلية وسعة هياكلها التنظيمية، لأن من غير المنطق توقع منجزات مثيرة من قبل أجهزة صغيرة الحجم ومحدودة التنظيم، خصوصا عندما تكون الشبكات مؤلفة من عدد قليل من العملاء في الشبكة الواحدة، أو عند العمل بشكل فردي.

بعض السياسيين والمحللين اللبنانيين تحدثوا عن هذه الشبكات بقولهم إنها لا تمثل إلا جزءا بسيطا جدا من مثيلاتها في الدول العربية الأخرى. وهو تصور يفتقد إلى الدقة. فمنذ أكثر من عشرين عاما لم يضبط في الأردن مثلا جاسوس واحد في موقع مهم. وتعود هذه الحصانة إلى الكفاءة العالية لأجهزة الأمن والمخابرات الأردنية وهيبتها القوية، فضلا عن تماسك الدولة، والشعور القوي بالمواطنة لدى الفرد. وتنطبق القياسات الإيجابية هذه أيضا على دول الجوار الأخرى مع إسرائيل. أما الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة فليسوا أفضل حالا من اللبنانيين.

من الأسباب الأساسية التي ساعدت إسرائيل في تكوين شبكات لبنان: الصراعات الداخلية، وغياب وحدة الموقف، وعدم امتلاك مؤسسات الدولة القدرة على تبني فلسفة أمنية موحدة. وهذا يعود بالدرجة الرئيسية إلى خروج حزب الله عن سيطرة الدولة وقيادتها. كما أن آخرين ينظرون إلى أن الخطر الأساسي يأتي من قيادة الحزب ونهجها الاستفزازي. فتؤدي النقمة إلى قبول انحراف خطير على حساب الولاء الوطني وفق اجتهادات معينة.

ومن الغريب أن يكون تنظيم الشبكات هشا إلى هذا الحد الخطر، فيما يفترض تنويع سبل التنظيم ووسائل الربط والاتصالات بين شبكة وأخرى، وليس أن تكون على نمط واحد. فهل شاخ الموساد الإسرائيلي وفقد صوابه؟ أم أن هناك نوعا من المبالغة في ما أعلن؟

قدرة التفوق الاستخباري تعد جزءا مهما من نظريات الأمن الإسرائيلي. إلا أن تحول لبنان إلى ضيعة استخبارات إسرائيلية، يطرح تساؤلات عن مصير بلد كان متقدما ثقافيا على المستوى العربي. فهل فقد بعض اللبنانيين شعور الانتماء القوي إلى الوطن؟

ويعطي عدد الجواسيس الكبير انطباعا عن عدم وجود سر في لبنان. فكيف نجح حسن نصر الله في إخفاء مكان وجوده ومقراته، على الرغم من هذا العدد الضخم من العملاء المتنفذين؟ ألم يذهب العميد فايز كرم المعتقل بتهمة ذي صلة، مع الجنرال عون إلى مقر السيد؟ ألم يذهب مبعوثا عن الجنرال فيتعرف على المقر السحري؟ ألم يصل أحد من عملاء إسرائيل في حزب الله إلى المقر؟ ألم يجر الاستدلال على المكان بواسطة أجهزة الاتصالات في منطقة يسرح فيها مئات العملاء من ذوي الكفاءة العالية؟ أم أن الإمدادات الغيبية قد عملت هالة ضوئية أو مغناطيسية تحجب مكان السيد؟ أم أن كل ما يقال عن حصانة مقر السيد هراء؟

حملة كشف العملاء تثبت أن إسرائيل على علم دقيق بمكان وجود حسن نصر الله، وتجد في حضوره تمزيقا للوحدة اللبنانية، وإشغالا للعالم العربي في مجالات عدة، خصوصا بعد حرب يوليو (تموز) 2006، التي لم تُطلق بعدها رصاصة واحدة تجاه إسرائيل.

من الفوارق بين الرئيس سعد الحريري وحسن نصر الله، أن الحريري يتصرف بشجاعة فطرية ومحسوبة، بحضوره التجمعات الجماهيرية المليونية ميدانيا وعلى الهواء مباشرة. فمن غير المعقول أن تقدم إسرائيل على قتل مئات الأشخاص علنا لتنال من شخص واحد. أما السيد، فقد اختار المبالغة والامتناع عن الحضور شخصيا إلى التجمعات المنظمة المتكررة، مكتفيا بنقل خطبه عبر التلفزيون من الملاجئ المحصنة. متجاهلا أن إدارة السراديب لا تليق بالزعماء laquo;الثوريينraquo;، الذين عليهم التجول مع مقاتليهم وأنصارهم حتى تحت غبار المعارك!