بيروت - وسام أبو حرفوش

... غادر مسلسل laquo;السيد المسيحraquo;، الآتي من ايران، الشاشة في بيروت، بعدما كاد ان يتسبب مع laquo;أول وصولهraquo; في الاول من رمضان بـ laquo;فتنةraquo; وسط laquo;هرج ومرجraquo; في البلاد التي غالباً ما تجعل من نعمة laquo;التعدديةraquo; نقمة، تارة لتجاهل الحساسيات laquo;الحساسةraquo; وتارة اخرى لاختلاط الديني بالسياسي و... هكذا دواليك.
فـ laquo;السيد المسيحraquo; الذي شغل لبنان بطوله وعرضه على مدى يومين، قبل ان يغادر الشاشة بأمر من الامن العام، كاد ان ينافس في اطلالته المثيرة للجدل (الامين العام لـ laquo;حزب اللهraquo;) السيد نصرالله، الذي سبق ان اطل من على الشاشة كاشفاً عن قرائن تتهم اسرائيل باغتيال رفيق الحريري، ما ضاعف الجدل حول التحقيق الدولي واتجاهاته.
فبيروت الغارقة حتى اذنيها في ملفات ساخنة، كالمحكمة الدولية وقرارها الظني وتداعيات المواجهة مع اسرائيل في موقعة شجرة الـ laquo;الخط الأزرقraquo;، والتحذيرات laquo;المستدامةraquo; من فتنة سنية شيعية وحرب اقليمية، وجدت نفسها فجأة وجهاً لوجه امام ملف فتنوي، جرى تداركه على جناح السرعة وعلى اعلى المستويات فمر القطوع بسلام.
وبدأت الحكاية مع بدء رمضان المبارك حين باشرت محطتان تلفزيونيتان من لون laquo;إسلاميraquo; هما الـ laquo;NBNraquo; القريبة من رئيس البرلمان نبيه بري وlaquo;المنارraquo; الناطقة بلسان laquo;حزب اللهraquo; بعرض مسلسل اسمه laquo;السيد المسيحraquo; وإنتاجه ايراني، الامر الذي اثار حفيظة المسيحيين الذين وجدوا في المسلسل laquo;مغالطات مسيئةraquo; وlaquo;مساً بسر المسيحraquo; وتحريفاً للعقيدة المسيحية في الجوهر والمضمون.
لم تستجب المحطتان لـ laquo;الوهلة الاولىraquo; لطلب وقف بث المسلسل من الجهات الكنسية، وحصل laquo;أخذ وردraquo; حول الاسباب الموجبة لمثل هذا الموقف، قبل ان يخرج رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الاعلام المطران بشارة الراعي محذراً من ان المسلسل يشكل laquo;فتنة مذهبية طائفيةraquo;، وعرضه ضرب لـ laquo;الميثاق الوطني والعيش المشتركraquo;، مطالباً وبإلحاح بـ laquo;وقفه فوراًraquo;.
لسان حال الـ laquo;NBNraquo; وlaquo;المنارraquo; كان يقول انه laquo;لم يبلغ الينا ما يقنعنا بوجوب وقف بث المسلسل الذي لا يسيء الى المسيحيين وهو مشغول وفقاً للقرآن الكريمraquo;، قبل ان تعلن المحطتان التوقف عن بث laquo;السيد المسيحraquo; مراعاة لبعض الخصوصيات، ويصار تالياً الى سحب هذا الفتيل الذي كاد ان يشعل سجالاً غير ملائم في وطن laquo;الحساسيات الطائفيةraquo;.
واللافت ان المصادر الكنسية على اختلافها سجلت ملاحظات على المسلسل وأبلغتها الى المعنيين، ومن بينهم laquo;الامن العامraquo;، والاهم في تلك الملاحظات ان المسلسل يستقي معلوماته ليس من القرآن ولا من الانجيل، بل من laquo;انجيل برنابا المنحول والمرفوض من الكنيسة الكاثوليكية، وتالياً فإن احداثه إما محرفة وإما غير صحيحة وإما غير دقيقة (...)raquo;.
وكانت شُكلت ما يشبه laquo;خلية ازمةraquo; لمعالجة هذه القضية، بعدما تجمعت laquo;الغيوم السودraquo; وقبل ان يتصاعد الدخان الابيض، فرئيس الجمهورية ميشال سليمان اوكل الى laquo;وزيرهraquo; زياد بارود متابعة الامر، وتولى النائب في laquo;حزب اللهraquo; حسن فضل الله الاتصالات في هذا الشأن، وكان وزير laquo;الحوار الاسلامي - المسيحيraquo; وزير الاعلام طارق متري على الخط، وهو الامر الذي استبق ما اشيع عن اعتصامات laquo;مسيحيةraquo; ضد المسلسل واستمرار عرضه، حيث تم التوصل الى مخرج مزدوج املى صدور قرار عن الامن العام بمنع بث laquo;السيد المسيحraquo;، وإعلان الـ laquo;NBNraquo; وlaquo;المنارraquo; التوقف طوعاً عن عرضه.
قبل laquo;المخرجraquo; كان المكتب الاعلامي لبطريركية الروم الملكيين الكاثوليك عمل على تظهير المآخذ على المسلسل عبر بيان قال فيه:
ان laquo;عرض مسلسل المسيح على قناتي laquo;NBNraquo; وlaquo;المنارraquo; رغم الدعوات الكنسية والشعبية المطالبة بوقفه، حرصاً على الوئام الوطني والتضامن بين أبناء الجماعات الروحية في لبنانraquo;.
واعتبر أن laquo;الإصرار على متابعة عرض المسلسل الذي هو نتاج سيناريو افتراضي مستوحى من كتاب برنابا المنحول والذي هو بذاته شهادة زور واضحة ضد الإنجيل والقرآن، كما أنه يحرف التاريخ ويتنكر للحقائق، ويطعن القيم التي تقوم عليها المسيحية في ركائزها الروحية والعقيدية، من شأنه أن يخلق حالا من الاشمئزاز والتباعد بين أبناء الوطن ويؤسس لتباينات حادة نحن بغنى عنهاraquo;.
ورأى أن laquo;كرامة الأديان وكرامة الإيمان والمؤمنين، هي مسؤولية عامة يجب احترامها، بعيدا عن المزايدات والمجاملات والادعاءات غير المستندة إلى أي ثبت تاريخي أو عقيديraquo;.
واعتبر المكتب الاعلامي أن laquo;البدء بعرض المسلسل هو خطأ بذاته ومواصلة عرض حلقاته في ظل الرفض الكنسي والشعبي، أمر مستغرب ومرفوض ومدان، مهما كانت الحجج والالتزامات المادية لأن أمن المجتمع اللبناني يجب أن يكون في رأس اهتماماتنا كلنا وأن نكون جميعا حرصاء على المشاعر والقيم لدى كل الناس، مؤكدين مسؤولية الدولة برئاساتها ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية والقضائية والإعلامية، عن الأمن الروحي للمواطنين، وهذا مكرس في الدستور والشرع والمواثيق التي تحكم التنوعية والتكاملية بين أبناء الجماعات الروحية في لبنانraquo;.
وختم: laquo;نحن في بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك نرفع نداء إلى المسؤولين السياسيين عن الـ laquo;NBNraquo; وlaquo;المنارraquo;، آملين التجاوب مع موقف الكنيسة الذي عبر عنه رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بشارة الراعي والعمل لاتخاذ قرار سريع وواضح لوقف هذا المسلسل المسيء إلى المسيحية وأهلها وقيمها ومعتقداتها، والعمل على تحصين المواقف الوطنية الجامعة، والتنبه إلى السلبيات التي قد تنشأ لاحقا جراء التهاون برسالة الأديان ومبادئها وقيمهاraquo;.
ولاحقاً صدر عن المديرية العامة للامن العام بيان اوضح فيه انه لم يتخذ اي قرار بوقف بث المسلسل لكنه تولى ترتيب مخرج لوقفه، وجاء في البيان: laquo;توضيحا للخبر الذي بثته وسائل الإعلام حول قرار المديرية العامة للأمن العام توقيف بث مسلسل المسيح على شاشتي تلفزيون المنار والـ NBN.
تؤكد المديرية العامة للأمن العام عدم صدور أي قرار مماثل، وإنما قام الأمن العام بمساعٍ بين إدارتي تلفزيون الـNBN والمنار والمرجعيات الدينية والسياسية المعنية، لإيجاد حل توافقي لوقف بث المسلسل، وبمبادرة من إدارتي المحطتين.
ولم تكن حكاية laquo;السيد المسيحraquo; الآتية من ايران المادة الاعلامية الوحيدة التي تثير laquo;عصفاًraquo; طائفياً ومذهبياً في بيروت، التي غالباً ما تفاخر بـ laquo;تعدديتهاraquo; الثقافية، فقبل مدة حصلت laquo;انتفاضة درزيةraquo; ضد عرض محطة laquo;NTVraquo; فيلماً روائياً عنوانه laquo;طائرة من ورقraquo; للمخرجة اللبنانية الراحلة رندة الشهال، وقامت مجموعة من الغاضبين بتطويق مبنى المحطة ومنزل صاحبها تحسين خياط، وقبل هذه الحادثة بأعوام شهدت بيروت laquo;طفرة غضبraquo; من انصار laquo;حزب اللهraquo; على تناول مسلسل فكاهي شخصية امينه العام السيد حسن نصرالله عبر شاشة الـ laquo;LBCraquo;.