حليمة مظفر

أغالب الليل الحزين الطويل أغالب الداء المقيم الوبيل
أغالب الآلام مهما طـغت بحسبي الله ونعم الوكيل
الله يدري أنني مــؤمن في عمق قلبي رهبة للجليل
كانت هذه من آخر قصائد الإنسان النبيل قبل كل الألقاب الدكتور غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ الذي فجعنا بخبر رحيله بالأمس، حيث نقلته لي رسائل الأصدقاء والزملاء على هاتفي؛ لدرجة أنه أعادني للكتابة هنا في quot;الوطنquot; بعد انقطاع بضعة أسابيع وددت أن تطول؛ فأنت مع هذا الخبر لا تحمل سوى أضعف الإيمان بالدعاء لهذا الإنسان المؤمن الذي لا يتكرر مرتين!! لماذا؟! لأنه كان متدينا بالفعل ومعبرا عن جوهر دين عظيم هو الإسلام في إنسانيته وتواضعه الجم والتزامه بمبادئه والأخلاقيات الرفيعة رغم كل اتهامات معارضيه الحاقدين من المتاجرين بالأيديولوجية ضده؛ ممن استنهضوا الناس لمعارضته برميه بالعلمانية مرة وبالليبرالية مرة أخرى!! ويكفي القصيبي تدينا أنه كان صادقا في إخلاصه الإنساني المترجم في إبداعه الأدبي ومعاملته الراقية في عمله الوزاري والدبلوماسي، يكفيه أنه كان صادقا في مبادئه وأخلاقه؛ وقبل كل ذلك في طموحاته الوطنية التي لا توازيها سوى طموحات المخلصين أمثاله من القلة النادرة العاملة الآن بيننا ممن اعتلوا المناصب؛ وحتى في مواقفه العملية. فما أزال أتذكر قبلته وهو الوزير الأديب على جبين شاب سعودي يعمل نادلا في أحد المطاعم بجدة حين اعتمر قبعة العمل وبدلة نادل مثله مثلهم؛ ليخدم زبائن المطعم مع الشباب ثلاث ساعات متواصلة دون تذمر والابتسامة لا تفارق محياه.
غازي القصيبي؛ أضاف بإنسانيته وتواضعه الجم والتزامه بقضاياه لكل الألقاب التي سبقت اسمه؛ ولا يمكن أن ينكر حتى معارضوه من المؤدلجين ضد التنمية الفكرية والاجتماعية؛ أنه كان من أكثر المخلصين في مشاريعه الوطنية؛ وما حمله من رؤى فكرية تنموية في تطوير سوق العمل المحلي ودفع الشباب للمهن اليدوية خلال سنوات عمله في منصبه الوزاري الأخير كانت تسبق بمراحل ضوئية ثقافة مجتمع يدين بالأعراف والتقاليد وينسى أن نبي هذه الأمة محمد عليه الصلاة و السلام كان راعي غنم؛ ثقافة ما تزال تصنف الناس بين خضيري و قبيلي!! وهذا سعودي أصلي وذاك غير أصلي! ثقافة يحسب أفرادها العمل مجرد مكتب مكيف ودوام وظيفي وراتب آخر الشهر؛ ثقافة تحسب المرأة مجرد متاع وآلة تفريخ وquot;كومة لحمquot; فيعيب عليها أن تكون بائعة محترمة ولا يمانع أن تكون شحاذة على أبواب الجمعيات الخيرية أو تحترق كبائعة تحت الشمس في الشارع نتيجة أفكار وأعراف دخيلة على دين الإسلام.
غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ رجل لن يتكرر مرتين؛ فلم يعرف في حياته سوى العلم والعمل والأدب والفكر، رحل صباح الأمس إلى بارئه تاركا إرثا ثمينا للمجتمع السعودي؛ إرثا أدبيا وفكريا وإداريا وطموحات وطنية كبرى، فهل سنستفيد منها أم تمرّ مرور الكرام كالسابقة؟ رحمه الله تعالى وأسكنه عظيم جناته.