محمد السعيد ادريس
هل هي المصادفة وحدها التي كانت وراء تزامن إعلان التحالف الكردستاني العراقي وثيقة ال 19 شرطاً لتشكيل الحكومة العراقية المنتظرة مع إعلان منظمة ldquo;الدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدةrdquo; استعداداتها لعقد مؤتمر دولي واسع حول أوضاع الأقليات والأديان في العراق وعلى الأخص في إقليم كردستان العراق، وهو المؤتمر المقرر انعقاده يوم 20 سبتمبر/أيلول المقبل؟
ربما يكون الأمر محض مصادفة، ولكن التدقيق في الشروط أو المطالب الكردية التي جرى الإعلان عنها وتوصيلها إلى الكتل الانتخابية الكبرى الثلاث المشاركة في حوارات ومفاوضات تشكيل الحكومة العراقية المتعثر تشكيلها ومتابعة خلفيات وأهداف هذا المؤتمر يكشفان عن وجود قدر كبير من التناغم في المعاني والأهداف، لكن الأهم أنه يلقي الضوء على ما يريده الأكراد من كل هذه المطالب والشروط في وقت شديد الحساسية بالنسبة للعراق وبالذات ما يتعلق بالتداعيات المحتملة للانسحاب العسكري الأمريكي في ظل تدهور مخيف في الأوضاع الأمنية وإعلان القيادات العسكرية العراقية عجز الجيش العراقي عن القيام بمهمة حفظ الأمن والاستقرار من الآن وحتى عام ،2020 وما يتعلق بالصعوبات الداخلية والإقليمية والدولية التي تحول دون تشكيل الحكومة العراقية، وتنازع أطراف كثيرة حول هذه الحكومة .
إن الإطار الذي عرض فيه التحالف الكردستاني شروطه التي حاول التخفيف منها، بعدما ووجه بمعارضات ورفض يشترط لتأييد مرشح الكتلة النيابية أن يحقق مطالبهم وفي مقدمتها أن تكون المشاركة الكردية في الحكومة المقبلة هي المعيار لاستمرار هذه الحكومة، وأن يكون للأكراد حق البت في مرشحي الوزارات السيادية والوزارات الأخرى ذات الصلة بإقليم كردستان، وشرط تأييد مرشحهم لرئاسة الجمهورية، ما يعني أن منصب رئاسة الدولة يجب أن يكون حقاً كردياً، وأن يكون منصب الأمين العام لمجلس الوزراء هو الآخر حقاً كردياً، إضافة إلى مطالب أخرى منها ldquo;إعادة النظر بهياكل كل القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي، وإقرار مبدأ التوازن، وتطبيقه في كل مؤسسات الدولة من وزارات وهيئات مستقلةrdquo;، وأن يتم ldquo;تمويل وتجهيز وتسليح حرس الإقليم الكردستاني ldquo;البشمركةrdquo; من منظومة الدفاع الوطني العراقية، أي أن يكون تمويلها من ميزانية القوات المسلحة وليس من ميزانية إقليم كردستان البالغة 17% من الميزانية العامة للدولة .
هذه المطالب التي طرحت كشرط من الأكراد لدعم مرشح من دون غيره لمنصب رئاسة الحكومة، تكشف أن القضية الأساسية للتحالف الكردستاني هي ldquo;الغنائمrdquo; التي يجب الحصول عليها كشرط لتأليف الحكومة، غنائم لإقليم كردستان وليس للعراق كله، ضمن توجه حريص للمحافظة على ما فرضه الاحتلال من محاصصة طائفية وما يسمى ب ldquo;مكونات العراقrdquo; وكل ما استطاع الأكراد أن يفرضوه في الدستور العراقي الذي أعدته سلطات الاحتلال وفرضته على العراق، ويرفض الأكراد أي إخلال أو تراجع عن أي نص في هذا الدستور الذي يعطي لهم حقوقاً تجعلهم الورقة الرابحة في معادلة الحفاظ على ما يسمى ب ldquo;الوضع القائمrdquo; أو العملية السياسية التي هي الوجه الآخر للاحتلال .
الوثيقة الكردية وما احتوته من شروط أو مطالب تضع نصب عينيها التجربة السودانية المريرة والحقوق التي استطاع إقليم جنوب السودان الحصول عليها من أجل الحفاظ على وحدة الدولة السودانية بدعم أمريكي، وهي الحقوق التي قادت السودان في نهاية الأمر إلى خيار الدولتين . هذه التجربة أثارت في يوم من الأيام انبهار هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي في إحدى زياراته للسودان، حيث رأى أن حكومة الجنوب تشارك بقوة في شؤون الحكم بالشمال السوداني أي في الحكومة المركزية سواء من ناحية الحصول على منصب رئيس الدولة أو المحاصصة المميزة في الوزارات والميزانية، وفي الوقت نفسه تحظى بتفرد كامل في حكم جنوب السودان من دون أي تدخل أو وجود للحكومة المركزية في الخرطوم .
انبهار زيباري بمكاسب الجنوبيين في السودان يكاد يتحول إلى واقع الآن في ظل محتوى شروط ldquo;الوثيقة الكرديةrdquo; التي تحاول ابتزاز شركاء العملية السياسية من كتل انتخابية شيعية وسنية للحصول على المزيد من المكاسب التي تخدم مع تراكمها، خيار المستقبل بفرض الدولة الكردية كخيار ldquo;أمر واقعrdquo;، أو وضع هذه الكتل الانتخابية أمام مأزق تشكيل الحكومة في التداعيات المحتملة للفراغ الأمني والسياسي الذي سينشأ عن الانسحاب العسكري الأمريكي وهي التداعيات التي قد تعجل بفرض ldquo;خيار الدولتينrdquo; كأمر واقع عراقي، وفي كلتا الحالتين، فإن العراق هو من سيدفع أثمان هذا الموقف الكردي .
التعليقات