محمد عيادي


هل تكفي الأشهر الخمسة التي تفصل السودان عن موعد الاستفتاء بالجنوب وفق اتفاق السلام 2005 لحسم الإشكالات العالقة بين الشمال والجنوب، من ترسيم للحدود واقتسام السلطة ومياه النيل والثروة، وغيرها من القضايا الحساسة؟
المؤشرات الميدانية تفيد أنه من المستحيل الالتزام بهذا الموعد، وأن التأجيل أمر لا مفر منه، لأن التعقيدات المرتبطة والمحيطة بالإشكالات المذكورة لم تطرح على طاولة البحث والنقاش، وهو الأمر الذي اعترف به مسؤول مفوضية التقويم والتقديم لاتفاق السلام الشامل بين الجنوب والشمال السير دريك بلمبلي عندما وصف خلال الشهر الجاري ما تبقى من اتفاق السلام بالصورة القاتمة، وأقر بوجود صعوبات على رأسها مسألة ترسيم الحدود وتكوين مفوضية أبيي، وغياب التعاون داخل المفوضية التي تنظم الاستفتاء بالجنوب.
وسبق لرئيس المفوضية أن أشار إلى أن الأعضاء الجنوبيين في المفوضية يقوّضون الاستعدادات للاستفتاء بالسعي لاستبعاد ممثلي الشمال عن المناصب الرئيسية في المفوضية، مما يشير لعدم وجود ثقة متبادلة بين أطرافها، وبالتالي تعذر التعاطي المعقول مع استحقاقات الاستفتاء وعلى رأسها عملية تسجيل الناخبين غير السهلة التي كان يفترض أن تكون قد تمت من قبل.
البعض يتحدث عن مخاطر قرار التأجيل الذي لا يحبذه الجنوبيون ويسعون لتجنبه، لكن للقرار منافع أيضا، إذا صحت العبارة.
وتتلخص المخاطر في احتمال نشوب حرب من جديد بين الشمال والجنوب، وإعلان البرلمان الجنوبي الانفصال أو تقرير المصير من جانب واحد في حال تأجيل الاستفتاء كما ورد في تحذير الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم.
وأكثر من ذلك تحدث أموم في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة عن احتياجات الجيش الشعبي والأمن والشرطة متوقعاً انفجار الأوضاع، بعدما اعتبر أن الدعوة للتأجيل تنقض اتفاق السلام، مهددا بالعودة لمرحلة الحرب.
ويرى البعض في تهديدات المسؤولين الجنوبيين تعبيراً واضحاً عن ميول انفصالية، والحال أن هذا ليس جديدا وعبر عنه أكثر من مسؤول في حكومة الجنوب، وآخرها حديث ممثل جنوب السودان بواشنطن أزيكيل غاتكوث عن إمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل، وقال إنه ليس مستبعدا أن تقيم الدولة الجديدة التي يتوقع تأسيسها في جنوب السودان، حسب نتيجة الاستفتاء السنة المقبلة، علاقات مع إسرائيل، وفي هذا رسالة مبطنة لحزب المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس عمر البشير، وسعي لضمان دعم دولي، بل إن غاتكوث قال إن المسؤولين الأميركيين أكدوا له أن الحكومة الأميركية ستعترف بنتيجة الاستفتاء المقبل، الذي توقع معهد أميركي أن أغلبية ساحقة وسط الجنوبيين ستؤيد فيه الانفصال بناءً على استطلاع رأي أجراه مؤخراً بالجنوب.
والحزب الوطني الحاكم يعرف هذه الميول الانفصالية، بل أسالت صفقة مفترضة بينه وبين الحزب الأساسي في الجنوب الحركة الشعبية لتحرير السودان الكثير من المِداد، انسحب بموجبها مرشح الحركة ياسر عرمان من الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي عرفها السودان، واعتُبرت مؤشرا أوليا على طريق الانفصال بضوء أخضر أميركي.
السؤال المطروح اليوم ينصب حول ماهية بنود تلك الصفقة بين الطرفين، ولماذا انفلتت أعصاب الحركة الشعبية وأطلقت تهديداتها المشار إليها؟ هل تراجع الحزب الحاكم عن التزام واتفاق بينهما؟ أم أنه لم تكن هناك صفقة تيسر سبيل الانفصال ولا هم يحزنون، وإنما هي تحليلات أو تكهنات صحافية.
في كل الأحوال سيخدم تأجيل الاستفتاء السودان بشكل عام، ذلك أن إجراء استفتاء من دون استحقاقاته لمجرد الالتزام بالتاريخ المحدد في اتفاقية السلام الموقعة سنة 2005 يهدد استقرار السلام في البلد ويدخله في متاهة العنف من جديد، الأمر الذي لن يلقى دعما ولا تشجيعا من أطراف دولية على رأسها أميركا، وهذا ما يفسر الزيارة الرسمية للمبعوث الأميركي الخاص الجنرال سكوت غريشن للسودان، التي تمتد حتى السابع والعشرين من الشهر الجاري لإجراء مباحثات مع شريكي الحكم بالبلاد.
منفعة أخرى مهمة جدا يحققها تأجيل الاستفتاء لحزب البشير، وهي منحه مزيدا من الوقت في انتظار حل أزمة إقليم دارفور، لأن تنظيم الاستفتاء الذي يرجح أن يفضي إلى انفصال الجنوب سيعقد أزمة دارفور، وهذا ما صرح به المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الوطني الدكتور إبراهيم غندور، بتأكيده مؤخرا أن الحكومة السودانية حريصة على تسوية أزمة دارفور قبل موعد الاستفتاء مخافة أن تتحول دارفور إلى جنوب جديد.