حسام كنفاني

من الواضح أن هناك نوعاً من اليأس في التعاطي مع ملف المصالحة الفلسطينية، رغم بعض الجهود التي تقوم بها ldquo;شخصيات مستقلةrdquo;، في مقدمتها منيب المصري . جهود هي في الغالب دعائية أكثر منها جدية، ولا سيما أن معطيات الملف ليست في يد هذه الأطراف، وهي معطيات تزداد تعقيداً .

أحدث تعقيدات ملف المصالحة كان خطاب رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية قبل أيام، والبيان الذي تلاه المتحدث باسم ldquo;حماسrdquo; فوزي برهوم . بين الخطاب والبيان مؤشرات خطيرة جداً على تحوّل الخلاف السياسي بين ldquo;حماسrdquo; وrdquo;فتحrdquo; إلى ما يشبه الحرب الدينية، لا سيما بعد الإجراءات التي قامت بها السلطة الفلسطينية في مساجد الضفة الغربية .

ملامح الحرب الجديدة أعلنها هنية يوم الثلاثاء الماضي، قبل أن يعود أول من أمس إلى الدعوة للقاء حواري بين الفصيلين الفلسطينيين المتناحرين . الدعوة الأخيرة غير منطقية، ولا تنسجم مع الطبيعة الجديدة للصراع . فإسماعيل هنية خرج ليعلن قبل أيام أن السلطة الفلسطينية تشن ldquo;حرباً على اللهrdquo; . معطى جديد وخطير في العلاقات الداخلية الفلسطينية، التي تخطت خلافاتها حاجز السياسية، لتدخل في باب الخلاف العقائدي . هذا ما يوضحه بيان فوزي برهوم، لا سيما تهجمه على فتح النوادي الليلية في الضفة الغربية . إنه خلاف في الأسس على شكل الدولة وطبيعة حكمها . هذه حقيقة يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار عند التعاطي مع ملف المصالحة مجدداً . الأمر ليس مجرّد ملاحظات على الورقة المصرية أو تعديلات في بنود منظمة التحرير والانتخابات والقوى الأمنية . إنه خلاف بعنوان ldquo;أي شكل للدولة نريد؟rdquo; .

هذا العنوان سيكون طابع المرحلة المقبلة من الخلاف . طابع مثير للقلق في حال أخذ معطى عنفوي، كما كانت عليه الحال في تجارب بعض الدول العربية، ومصر في مقدمتها . الأمر لا يزال في بدايته، لكنه يبدو ذاهباً باتجاه تصعيدي في حال لم تكن هناك مساعٍ للملمة هذا النوع المستجد من الخلاف . قد يكون هذا الخلاف قديماً، لكنه يظهر للمرة الأولى في هذا الشكل الفج، سواء من قبل حركة ldquo;حماسrdquo; وتصريحات قادتها، أو من قبل السلطة الفلسطينية التي بدأت بمحاصرة عمل المساجد خشية تمدد الحركة الإسلامية في الضفة الغربية .

علينا أن ننسى المصالحة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، وليكن العمل على إطفاء فتيل هذا الشكل من الحروب الدينية التي بدأت تطل برأسها على الساحة . إطفاء الفتيل يقع على عاتق المسؤولين الفلسطينيين قبل غيرهم، هذا في حال أرادوا تجنيب الشعب الفلسطيني موجة بؤس جديدة، يكون قادته هذه المرة هم صانعوها .