إياد الدليمي


في خضم الأزمة السياسية التي تضرب أطرافها في العراق وتنعكس سلباً على حياة الناس، فإن quot;الضرب تحت الحزامquot; يبدو أنه بات متاحا لبعض تلك الأطراف السياسية، هذا إن لم يكن بعضها مارس الضرب بالسيارات المفخخة والعبوات اللاصقة وعمليات الاغتيال بكواتم الصوت، ولعل ذلك ما يبرر للبعض من متحدثي تلك الأطراف السياسية الحديث والتصريح بما يقبله العقل وما لا يقبله، ولكن أنْ تمتد حمى التصريحات التي تعقد ولا تحل الأزمة لرئيس النظام في العراق، فأعتقد أن ذلك بعيد كل البعد عن منطق الأشياء.
تحدث رئيس الحكومة المنتهية ولايتها نوري المالكي بلسانٍ بعيد كل البعد عن لغة الدبلوماسية التي يفترض أن يتحلى بها، فوصف وبصريح العبارة القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي والتي فازت في الانتخابات البرلمانية بـ91 مقعدا، بأنها قائمة تمثل السنة في العراق، وبغض النظر عن كون هذا الكلام تهمة للعراقية أم لا، فإنه لا ينبغي أن يصدر من رئاسة النظام في العراق، كونه مخالفاً للبند السابع من الدستور العراقي الذي يمنع الترويج الطائفي بأي شكل من الأشكال.
لستُ هنا في معرض الدفاع عن القائمة العراقية، فهي تملك من المتحدثين الإعلاميين والسياسيين العديد، ولكن فقط أتساءل، لماذا يتحدث المالكي بلسان إيران؟
في أحد الحوارات التي أجريتها مع نائب رئيس الجمهورية العراقي والقيادي في القائمة العراقية، طارق الهاشمي ونشر في quot;العربquot; الغراء قبل نحو شهر ونصف، قال إن أساس خلاف قائمته مع إيران هو أن طهران توصِّف هذه القائمة على أنها قائمة سنية، وهو ما ترفضه كل مكونات القائمة العراقية، ومما زاد الطين بلة أن تلك التصريحات الإيرانية لم تكن حديث الكواليس, فلقد صرح بها أكثر من مسؤول إيراني.
ليس عيباً أن تكون القائمة العراقية سنية، ولكن العيب أن تنطلق من مفاهيم الطائفة في طرح نفسها في عراقٍ يفترض أنه في مرحلة حساسة من تاريخه، خاصة أن القوات الأميركية التي رعت وأشرفت على العملية السياسية منذ انطلاقتها عقب إسقاط النظام السابق، في طريقها للانسحاب، ليس عيباً أن ينتخب أهل العراق من السنَّة القائمةَ العراقية أو غيرها، وإنما العيب والمسؤولية الوطنية تحتم أن يكون انتخاب هذه القائمة أو تلك على أسس وطنية.
نجحت القائمة العراقية في كسب شرائح واسعة من العراقيين، وفاز نحو 21 شيعياً من أعضائها بأصوات أهالي الجنوب العراقي، كما اكتسحت المناطق العربية السنية في عموم العراق، هذا النجاح لم يكن مرده إلى أن هذه القائمة تمثل السنة وإنما لأنها طرحت نفسها كمشروع وطني جامع للعراقيين، وابتعدت كل البعد عن التسميات الطائفية، وسعت إلى أن تكون خيمة للجميع، بغض النظر عن مدى صدقية تلك الدعاوى، التي ربما لو آلت الأمور إلى العراقية وشكلت الحكومة، فإنها لن تنجح في البقاء على الثوابت الوطنية التي أعلنتها.
العراقيون في مرحلة ما قبل الانتخابات التشريعية التي جرت في مارس الماضي، كانوا يتوقون إلى التغيير، فلقد تحولت حياتهم إلى مأساة يومية، فلا خدمات ولا وظائف ولا إعمار، وفوق هذا وذاك، إرهاب وعنف يضرب أينما شاء ومتى شاء، دون أن تتمكن القوات التي صرف عليها نحو 22 مليار دولار أميركي من التصدي الجدي له، لذلك كانت الانتخابات فرصتهم، فكان أنْ ذهبت أصوات العراقيين للقوائم التي تطرح الشعار الوطني.
الغريب أن السيد المالكي طرح نفسه كرئيس لائتلاف اسماه دولة القانون، مؤكداً في برنامجه الانتخابي أن ائتلافه غير طائفي, وأنه يضم العراقيين من مختلف الطوائف، إلا أن هذا الائتلاف لم يحصد سوى بعض الأصوات التي لم تؤهل أياً من مرشحيه للفوز ولو بمقعد واحد في المحافظات السنية، والغريب أيضا أن المالكي لم ينجح في تطبيق القانون الذي يرفعه شعاراً للائتلاف، فوقف بقوة في وجه فوز القائمة العراقية, وعرقل مهمة تكليفها بتشكيل الحكومة رغم فوزها.
اليوم يطرح المالكي quot;الأسطوانة المشروخةquot; التي ملها العراقيون، أسطوانة الطائفية، الطائفية التي لم يقتلها المالكي كما يدعي، وإنما قتلها العراقيون، الذين رفضوا أن يكونوا طوائف رغم كل دفعات الحقد والغل والكراهية والموت التي زرعتها بعض الأطراف السياسية التي جاءت العراق على ظهر دبابة أميركية.
الخطر كل الخطر أن يتحدث السيد المالكي بلسان طهران التي باتت نواياها في العراق معروفة، وهو الذي يفاخر بأنه يقاوم الضغوط الخارجية، الخطر أن تبدأ رُسل إيران في العراق تحذر هذا الطرف السياسي أو ذاك وتكون أجهزة الدولة أداتها للتنفيذ، فالعراق يحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى وقفة مسؤولة من قبل سياسييه بعد أن برهن الشعب على أنه قادر على إفشال مشاريع quot;اللبننةquot; المقيتة.