واشنطن - جويس كرم؛ طهران، رام الله، الناصرة، غزة - laquo;الحياةraquo;
نجحت التحركات الديبلوماسية المكثفة في واشنطن خلال الساعات الثماني والأربعين الأخيرة لإطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في إعادة الزخم لدور الولايات المتحدة في إدارة المفاوضات بقوة، غير أن هدف هذه المفاوضات المتمثل بالتوصل إلى اتفاق سلام نهائي خلال عام، تواجهه عراقيل كثيرة، أبرزها استمرار الاستيطان والهاجس الأمني الإسرائيلي.
وإلى هذين العاملين، يبرز التباعد في قراءة المرجعيات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تحدث عن laquo;إنهاء الاحتلال في إطار الشرعية والقرارات الدوليةraquo; وإقامة الدولة الفلسطينية، ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي ركز على الأمن وشدد على ضرورة الاعتراف بإسرائيل laquo;وطناً قومياً لليهودraquo;.
فبعد 18 شهراً من الجولات المكوكية للمبعوث الأميركي جورج ميتشل إلى المنطقة، أطلقت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس الجولة الأولى من المحادثات المباشرة في مقر وزارة الخارجية الأميركية، مجددة قناعتتها laquo;بإمكان حل القضايا الجوهرية خلال عامraquo; وتعهدها بدور laquo;فاعل ومنخرطraquo; لواشنطن من دون فرض خطة سلام، وهو ما تعارضه تل أبيب.
ويعكس الحرص الأميركي على إعلان استئناف المحادثات المباشرة من البيت الأبيض بلقاء خماسي جمع الرئيس الاميركي باراك أوباما وعباس ونتانياهو والرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، سعي واشنطن إلى تكثيف الدور العربي في المفاوضات، بعدما أدى غيابه، بحسب مسؤولين أميركيين، إلى laquo;فشل محادثات كامب ديفيد (2000) وتردد الجانب الفلسطينيraquo;.
وقال ميتشل في إيجاز للصحافيين مساء أمس بعدما اختتم الجانبان اجتماعهما الأول، إن عباس ونتانياهو اتفقا على عقد جولة ثانية من المفاوضات في المنطقة في 14 و15 أيلول (سبتمبر) الجاري، على أن يعقب ذلك اجتماع بينهما كل أسبوعين.
وعلمت laquo;الحياةraquo; أن مداولات تتم في واشنطن في شأن استضافة مصر اللقاء الأول بمشاركة كلينتون، إضافة إلى درس عقد اجتماعات موسعة بحضور عربي ومشاركة أميركية فاعلة، وإمكان عقد قمة ثلاثية بين عباس ونتانياهو وأوباما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد في العشرين من الشهر الجاري.
وأشار ميتشل إلى أن الهدف المشترك لعباس ونتانياهو اللذين عقدا اجتماعاً منفرداً في واشنطن بعد لقاء ثلاثي مع كلينتون، laquo;يتمثل في قيام دولتين لشعبينraquo;.
وأوضح أنهما سيعملان على التوصل إلى laquo;إطار اتفاقraquo; لتحقيق السلام. ورفض الخوض في تفاصيل الموضوعات المطروحة، معتبراً أن مضمون المفاوضات laquo;يجب أن يبقى خاصاً وأن يعامل بأكبر قدر من الدقةraquo;.
لكنه أضاف أن laquo;هدفنا حل جميع مواضيع الخلاف الرئيسة خلال عامraquo;، مشيراً إلى أن الرجلين دانا laquo;كل شكل من أشكال العنف الذي يستهدف المدنيين الأبرياءraquo;. واعتبر أن الأمور كلها توحي بوجود اختلافات واسعة جداً بين الجانبين، مشيراً في شكل خاص إلى تأثير الرأي العام. غير أنه شدد على أن laquo;البديل يطرح تهديداً أكبر بكثير من مخاطر البحث عن سلام دائم... وأي تقويم واقعي لمصلحة الشعبين يظهر أن من الأفضل لهما بكثير العيش جنباً إلى جنب في سلامraquo;.
ويبدو أن توزيع الأدوار بين البيت الأبيض والخارجية الأميركية في إدارة المفاوضات استقر على أن يكون للرئيس أوباما دور فيها، انما ستحظى كلينتون بالحصة الأكبر، ويساعدها في ذلك ميتشل ومستشارون في الفريق الرئاسي يتقدمهم دنيس روس ودانيال شابيرو اللذان شاركا عن كثب في عملية إعادة إطلاق المحادثات المباشرة.
وسيرتكز الدور الأميركي، كما حدده أوباما، على laquo;خلق المناخ والبيئة المناسبة للمفاوضاتraquo;، عبر خطوات صغيرة في المرحلة المقبلة تعزز الثقة بين الجانبين، مع العمل على تفادي أي تحرك يهدد العملية. وتلوح في الأفق عقدة انتهاء فترة التجميد الجزئي للاستيطان في السادس والعشرين من الشهر الجاري، وهو الموعد الذي استبقه مجلس مستوطني الضفة أمس بإعلان عمليات بناء واسعة بدأتها عشرات الجرافات.
ويسعى الجانب الأميركي إلى إيجاد تركيبة عملية تمدد التجميد الاستيطاني ضمنياً من دون إعلان رسمي ونيل تعهد إسرائيلي بعدم القيام بإجراءات احادية الجانب في القدس الشرقية، بهدف عدم إضعاف نتانياهو داخلياً وتهديد ائتلافه الحكومي.
وبخلاف عقدة الاستيطان، تبرز أمام واشنطن معضلة عدم وجود أرضية تفاوضية مشتركة بين عباس ونتانياهو، ففي حين كان تركيز عباس أمس على قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات ورسائل الضمانات، كان تركيز نتانياهو على الموضوع الأمني باعتباره laquo;مفتاح السلامraquo;.
ونقلت صحف عبرية أمس عن نتانياهو قوله للصحافيين الإسرائيليين المرافقين له أنه أكد للرئيس الأميركي باراك أوباما في لقائهما أول من أمس أنه مستعد فقط للتوصل إلى laquo;اتفاق مبادئraquo; مع الفلسطينيين خلال عام من المفاوضات، وليس إلى اتفاق دائم لحل الصراع، بهدف laquo;لفحص أهليّة الفلسطينيين وقدرتهم على تنفيذ اتفاقاتraquo;.
في المقابل، شدد الرئيس الفلسطيني على مطالبة إسرائيل بتنفيذ التزاماتها، خصوصاً وقت البناء في المستوطنات، واستئناف المفاوضات من حيث توقفت قبل نحو عامين، والتعهد بأن يكون الهدف النهائي من المفاوضات إقامة دولتين على أساس حدود العام 1967، والتزام إسرائيلي بالخوض في جميع قضايا الصراع.
وستساعد عمليات حركة laquo;حماسraquo; التي استهدفت مستوطنين في الضفة خلال الأيام الثلاثة الماضية، وتعهدت الحركة أمس بتكرارها مقرة بوجود laquo;هدف سياسيraquo; وراءها، في وضع ملف الأمن في صدارة موضوعات التفاوض، كما ستطرح إشكالية وضع قطاع غزة تحت سيطرة laquo;حماسraquo; باعتباره تحدياً أمام فرص التوصل إلى اتفاق.
وانتقدت أمس فصائل فلسطينية، أبرزها laquo;حماسraquo; و laquo;الجهاد الإسلاميraquo; و laquo;الجبهة الشعبيةraquo;، إطلاق المفاوضات المباشرة في شدة، معتبرة أنه laquo;مقامرة جاءت استجابة لرغبة إسرائيلية أميركية في تصفية القضية عبر تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، وتهويد القدس والمسجد الأقصى، وإنهاء حق العودة بتكريس ما يسمى يهودية الدولةraquo;. وأكدت أن laquo;نتائج هذه المفاوضات غير ملزمة للشعب الفلسطينيraquo;.
ويرى مراقبون بارزون، بينهم السفير السابق مارتن أنديك، أنه يمكن احتواء تهديد laquo;حماسraquo; من خلال توصل إسرائيل إلى اتفاق هدنة منفصل مع الحركة واستئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني laquo;لمنع إيران وحلفائها من تفجير المفاوضاتraquo;.
وكانت طهران الحاضر الغائب في قمة واشنطن، مع إصرار الجانب الأميركي على وجود laquo;فرصة سانحة قد لا تتكررraquo; للتوصل إلى السلام، وحديث نتانياهو عن تغير ميزان القوى والتهديدات في المنطقة، في شكل سيحاول الجانب الأميركي استغلاله لحصد تنازلات إسرائيلية في استراتيجية سلام موسعة أبرز أهدافها إضعاف الدور الإيراني وذرائع الحرب في المنطقة.
وحذر ميتشل امس من التأثير الايراني على المفاوضات، وقال ان laquo;تصرفات الحكومة الايرانية هي احد العوامل التي تدفع الاطراف المعنيين الى التوصل الى حل للنزاعraquo;.
وتحيي إيران laquo;اليوم العالمي للقدسraquo; اليوم بتظاهرات منددة بالمفاوضات المباشرة والجهود الأميركية laquo;لإنقاذ الكيان الاسرائيليraquo;. وشكك الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في فرص نجاح اجتماع واشنطن، متهماً الإدارة الأميركية بمحاولة توظيفه في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، داعياً إلى laquo;مشاركة الممثلين الحقيقيين للشعب الفلسطيني في اي اجتماع لمناقشة القضيةraquo;، معتبراً أن laquo;حماسraquo; هي الممثل الرسمي للفلسطينيين laquo;لأنها منتخبة من جانب الشعبraquo;. وانتقد رعاية الولايات المتحدة لهذه المفاوضات باعتبارها laquo;حليفاً استراتيجياً لإسرائيل ولا يمكنها أن تكون وسيطاً مناسباًraquo;.
التعليقات