محمد الحربي


تناقلت مواقع ومنتديات كثيرة على الإنترنت ورسائل البريد الإلكتروني خبرا عجيبا غريبا، نسبته إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يقول: laquo;عرض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم الجمعة قبل الماضية مشروعه الجديد (رمضان فرنسا) في مسجد مارسيليا الكبير، وذلك بمناسبة بداية شهر رمضان الكريم. يأتي هذا المشروع ضمن سياسة ساركوزي الرامية إلى تحسين إندماج الأقلية المسلمة في المجتمع الفرنسي.
وقال الرئيس في كلمته أمام رواد المسجد يشرح فيها مشروعه حسبما أورده موقع القناة الإخبارية الأمريكية CNN الإلكتروني:
laquo;إخواني المواطنين، المسلم الفرنسي هو فرنسي قبل أن يكون مسلما، وعليه فإن قهوة الصباح مع الهلالية (كروا سون) تقليد فرنسي عريق لا يجب التخلي عنه، لذا وانطلاقا من فتاوى الأزهر حول فقه الأقليات فإنه يجوز للمسلم الفرنسي الصائم أن يبدأ صباحه بقهوة مع هلالية، كغيره من أبناء الشعب الفرنسي في الساعة الثامنة قبل الانطلاق للعمل.
وتابع الرئيس الفرنسي laquo;إخواني المواطنين، صلاة المسلم الفرنسي لا يمكن أن تشبه صلاة مسلمي الشرق، لذا فإنه لا معنى لمواطن أوروبي أن يقضي ساعة وساعتين بعد العشاء في صلاة التراويح، التي اتفق علماء المسلمين على أنها ليست فريضة. وعليه إخواني فلقد أصدرت قرارا جمهوريا يدعو مساجد فرنسا لإغلاق أبوابها بعد صلاة العشاء مباشرة، حتى ينصرف المواطن إلى بيته ويستمتع بمشاهدة أخبار وبرامج التلفزيون الفرنسي... انتهىraquo;.
وبعد أن وصلتني هذه الفتوى laquo;الخنفشاريةraquo; لساركوزي قمت بـ laquo;تنتيف ريشraquo; موقع الـ CNN الإلكتروني باللغتين العربية والإنجليزية ريشة ريشة وصفحة صفحة وكلمة كلمة، دون أن أجد للفتوى الساركوزية أثرا، فلجأت إلى الشيخ laquo;قوقلraquo; وهالني انتشار الخبر على الانترنت، وبعد بحث مضن وجدت في أحد المنتديات شخصا يعترف بأنه من لفق هذا الموضوع، ويؤكد أنه تراجع وقرر الاعتراف بكذب الخبر، بعد أن لاحظ أن الإنترنتيين قد laquo;طاروا بالعجةraquo;، وتناقل الخبر تجاوزهم إلى وكالات أنباء عالمية، وعلق عليه مشايخ كبار على الموقع الإلكتروني لجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم، دون التثبت من مصداقيته ومن صحة نسبته إلى رئيس دولة له اعتباره مثل ساركوزي!.
فتوى ساركوزي من وجهة نظري تعطي مؤشرات خطيرة جدا، أول هذه المؤشرات ما ألمح إليه الخبر الملفق من ضعف فهم المجتمع الأوروبي ــ ومثله الأمريكي بالطبع ــ للثقافة الإسلامية والعربية ليس على مستوى العامة فحسب، بل على مستوى صناع القرار، وهو الأمر الذي أدى إلى الكثير من القرارات الخاطئة التي أضرت بالعلاقة ما بين الشرق والغرب منذ عقود طويلة ونشوب الحروب التي دفع ثمنها أبرياء لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وهو ما يجعل الفتوى الساركوزية laquo;مزحة برزحةraquo;.
أما المؤشر الثاني فهو يتعلق ببعض قراصنة الإنترنت المحتسبين في الدعوة الإلكترونية إلى الله، ممن التقطوا الفتوى الساركوزية على علاتها و laquo;طاروا بالعجةraquo; وزادوا عليها laquo;ملحا وبهاراتraquo; من النوع laquo;الحراقraquo; وبدؤوا في نسج سيناريوهات الحرب على الإسلام التي يقودها ساركوزي وغيره في laquo;شي ينتصدق وشي ما ينتصدق ولا ينهضم لو تشرب عليه مصنع بيبسيraquo;، دون أن يشعروا أو يفهموا بأنهم يسيؤون للدعوة إلى الله وللدعاة وللدين بالتعاطي مع مثل هذه التفاهات..
والمؤشر الثالث الخطر هو تحول مواقع ومنتديات الإنترنت إلى مصادر إخبارية يتناقلها القاصي والداني ويروجون لها جازمين بصحتها دون أية مرجعية توثيقية معتمدة وموثوقة يمكن الرجوع إليها ومحاسبتها.
وعلى أية حال لا يسعني إلا أن أقول: إن كانت فتوى ساركوزي قد صدرت عنه فهو رئيس دولة وحر في دولته، والمسلمون في فرنسا أحرار في دينهم وصيامهم وصلاتهم، ولهم أن يرفضوا laquo;فتواه !raquo;، ويستمروا في أداء فرائضهم وشعائرهم كما هي أو يغادروا فرنسا، وأرض الله واسعة.
وأما إن كانت مجرد مزحة سمجة فـ laquo;لا تطيروا بالعجة وترفقواraquo;.