سيد أحمد الخضر


من شبه المستحيل أن يأتي من يكتب عن الإرهاب بجديد، فقد ملأ الموضوع الصفحات وشغل الكتّاب، وكفى بالولايات المتحدة خصيماً للإرهابيين وراعياً لهم في ذات الوقت. لكن نريد أن نوفر الجهد على القانونيين والمنظمات الدولية فلم يعد الإرهاب يحتاج تعريفا ولا تحديدا فقد عرفه أصحابه وطبعوا مفرداته بالدم حيث يقيم الفقراء والمساكين الذين لا شأن لهم بالسياسة ولا يعلمون شيئا عن الولايات المتحدة وحلفائها من الغرب والعرب laquo;الذين يحادون الله ورسولهraquo;، ونتيجة لأن الإرهاب عرف نفسه بنفسه لم يعد مشكلا أيضا الفرق بينه وبين المقاومة المشروعة فقد تميز الخبيث من الطيب ولم تعد كثرة الخبيث تعجب الناس. لقد عرف الناس المقاوم من المرهب وعرفوا كذلك الفئة التي تجمع بين الصفتين تقاوم أحيانا وترهب الناس أحيانا فتقتل وتعيث في الأرض فساداً. إنه الزمن الذي يفك الكثير من الطلاسم ويفسر قاموسه الكثير من الإشكالات.
إذن لم يعد عدم تحديد مفهوم للإرهاب يقف عائقاً أمام القضاء على الظاهرة لأنه لم يعد يتشابك مع خيوط أخرى. لكن المشكلة تكمن في تعاطي المثقفين مع الظاهرة، هذا التعاطي الذي تطبعه المجاملة في بعض الأحيان والخجل من الوقوف إلى صف الحكومات أحيانا أخرى.
لا يسهم الكثير من الفاعلين العرب في الحرب على الإرهاب لأنهم بصفة أو بأخرى يتقاسمون مع التيارات المحسوبة على التطرف جزءاً من تركة الماضي ولا يستبعدون أن يجمعهم مستقبل في دولة كانت أو قرية. المهم أنهم يتوقعون أن يمكّن لهم في الأرض ولا يريدونهم أن يحكموا عليهم بالردة، لذلك يكتفي هؤلاء بمناقشة مفاهيم عميقة وبعيدة وينادون بالحوار والأخذ بيد أصحاب laquo;أبنائناraquo; ومناقشتهم حتى نردهم إلى الحق بلطف. كل الحلول بالنسبة لهذه النخبة معقولة إلا الحل الأمني حتى وإن كانت بعض الحركات تأخذ شكل المافيا ويتزعمها أناس لا يملكون فكراً وليست لديهم رغبة في النقاش. تناقشهم في ماذا؟ تهريب المخدرات والسجائر وسرقة السيارات، هذه لوثة فكرية أم حرابة؟
وهناك فئة أكثر سلبية في التعاطي مع الإرهاب هم المثقفون والكتاب الذين يؤمنون بشيطنة كل ما تقوم به الحكومات ولا يهمهم صوابه من عدمه فما دامت الحكومات معنية بالتصدي للإرهاب فإن المقاربة الأمنية فاشلة والحرب على الظاهرة حق أريد به باطل. وما يفتأ هؤلاء يتهمون الحكومات باتخاذ الإرهاب ذريعة للحد من الحريات وبناء المزيد من السجون لإسكات كل خصوم الحاكم الواحد المتوحد. ويتناسى هؤلاء أن ضحايا الإرهاب هم فقراء كراتشي وفتيات جزائريات وشباب في الدار البيضاء وجنود مسلمون ومسالمون في الصحراء الموريتانية! الإرهاب هذا أو الإهلاك يتربصكم جميعا فأنتم تشترون البضائع الغربية وتستخدمون أجهزة صنعت في الولايات المتحدة وتحملون جوازات دول تقيم علاقات مع دول الكفر، ما يعني أن دماءكم هدر!
أريد أن أقول إن الكتاب والمفكرين مطالبون بالمساهمة في التصدي للظاهرة ولكن ليس بتسفيه كل استراتيجية تتبناها الحكومات فقد تؤخذ الحكمة من غير حكيم.
إن العالم في حالة طوارئ وهذا يقتضي التعامل مع الظرف بقدر من الصبر ونكران الذات لصالح أمن البشرية, وفي هذا السبيل على الجميع أن يتقبل الحد من الحريات لصالح الأمن وأن لا نثور كلما خضعنا لمضايقة أو تدقيق زائد عن المعتاد في المطارات، هذا أولا، وثانيا نتمنى من الإعلام الملتزم أن يعترف بوجود الظاهرة على الأقل، فإذا كان الحياد يقتضي عدم الانخراط في الحرب على الإرهاب فلا أقل من تسمية الأشياء بمسمياتها. إنه من غير المبرر بعد أن حصد الطاعون آلاف الأبرياء وهدم البيوت أن نظل نقول: ما يسمى بالإرهاب.