أنس زاهد

عندما قام النجم الأسترالي ميل جيبسن بإنتاج وإخراج فيلمه الشهير ( آلام المسيح ) ، قامت قيامة اليهود المتطرفين إلى حدّ أنهم اتهموا جيبسن بتهمة معاداة السامية . وهي تهمة يمكنها أن تدمر مستقبل من يتّهم بها أيًا كان . الفيلم كان يحكي قصة الإثنتي عشرة ساعة الأخيرة في حياة المسيح حسب الاعتقاد المسيحي . وفيما يخص الوقائع ، فقد تم استقاء المادة التاريخية حرفيا من الأناجيل الأربعة أو من ( الكتاب المقدس ) كما هو معروف لدى المسيحيين . ورغم أن السيناريو كان دقيقا في نقل ما ورد في الأناجيل الأربعة من أحداث ، ورغم موافقة بابا الفاتيكان في حينها على مادة الفيلم ، فقد أجبر الضغط اليهودي النجم الأسترالي ميل جيبسن على حذف عبارة (( دمه علينا وعلى آبائنا )) من الترجمة الإنجليزية مع الاحتفاظ بها داخل النص الناطق باللغة الآرامية . والعبارة السابقة رددها اليهود حسب الإنجيل ، عندما أخلى بيلاطس قنصل روما مسؤوليته من إهراق دم المسيح . تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع تداعيات قضية إعلان القس الأمريكي المغمور تيري جونز عزمه إحراق المصحف الشريف ndash; قبل أن يعلن عن تراجعه - ورد الفعل الباهت الذي قابلت به الجهات الرسمية والمؤسسات المدنية الأمريكية ، هذه الفعلة النكراء . وإذا كان البعض ما زال مصرّا على أن التعبير عن المعتقدات الدينية أيا كانت هذه المعتقدات ، هو حق كفله الدستور الأمريكي ، فبماذا يفسر هؤلاء نجاح حملة الضغوط التي شنها متطرفو اليهود ضد ميل جيبسن ، رغم أن هذا الأخير التزم النقل بشكل حرفي لما ورد في ( الكتاب المقدس ) ؟! لقد أُجبر ميل جيبسن تحت وطأة الضغط الإعلامي والملاحقات القضائية ، على حذف عبارة وردت في الإنجيل نفسه ، فكيف يمكننا أن نصدق أن أحدا في أمريكا كلها لم يتمكن من إيقاف هذا العمل المشين والمستفز والكفيل بتأجيج العداوة بين أبناء الديانات على مستوى العالم أجمع ، وعلى مستوى الولايات المتحدة بشكل خاص ؟ ولعل القلق الرسمي الأمريكي من احتمال تعرض القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق للخطر بسبب هذه الفعلة المشينة ، هو الدليل على أن الفعلة في حد ذاتها لم تثر استنكار الأمريكيين ! إنه اختبار جديد رسبت فيه أمريكا وقيمها بامتياز .