سعد محيو

ثمة عوامل عديدة قيد العمل، قد تدفع طهران إلى عدم انتهاز الفرصة المثالية الراهنة لإبرام ldquo;الصفقة الكبرىrdquo; مع أمريكا .

العامل الأول هو أسعار النفط . فبقاء السعر فوق سقف الخمسين دولاراً للبرميل، سيمكّن طهران من الصمود نسبياً في وجه العقوبات الدولية والغربية، كما سيُغري الصين وروسيا والعديد من الدول والشركات الأخرى على التحايل على العقوبات لجني الأرباح الطائلة من البترودولار الإيراني المُتوافر .

ويعتقد كريم سنجابور، الخبير البارز في مؤسسة كارينغي للسلام الدولي، أنه طالما أن سعر النفط، وهو المورد الرئيس للدخل القومي الإيراني، لم يشهد تراجعاً كبيراً وبشكل مُستدام، فإن القادة في طهران لن يشعروا بحافز للتوصل إلى حلول وسط مع الغرب .

العامل الثاني هو القنبلة . فطهران واثقة من أن حصولها على السلاح النووي، أو على الأقل على المعرفة التقنية لإنتاجه، سيكون هو بوليصة تأمينها الرئيس ضد أي محاولة لتغيير نظامها بالقوة . هذا علاوة على أن حيازتها للقنبلة، سيجعل موقعها التفاوضي مع واشنطن أفضل بكثير . وهي هنا تقتفي أثر كوريا الشمالية، التي نجحت، بعد قيامها بخمس تجارب نووية، بسحب التدخل العسكري الأمريكي من جدول الأعمال الآني .

العامل الثالث هو الإيديولوجيا . فالحركة السياسية للفريق الحاكم حالياً في طهران، وعلى رأسه الرئيس أحمدي نجاد، تُمليها إلى حد ما (أوحتى بعيد) الاعتبارات الدينية الإيديولوجية .

صحيح أن البراغماتية هي السمة الأشهر لسياسيي إيران، بمن في ذلك الغلاة الدينيون، لكن الصحيح أيضاً أنه لايجب إغفال دور العامل الإيديولوجي لا كجسر إيمان ولا حتى كأداة للاستخدامات السياسية .

أخيراً، هناك العامل الاقتصادي، إذ بات معروفاً أن إيران نحت خلال السنوات الأخيرة إلى أن تكون دولة شديدة التعسكر، بعد أن أصبح الحرس الثوري القوة السياسية الرئيسة فيها، كما القوة الاقتصادية المُوجّهة أيضاً . وهكذا، فإن العديد من أجنحة الحرس باتت تدمج الآن بين المصالح الكبرى وبين الإيديولوجيا العامة، لتخرج بعد ذلك متمسكة بنهج المجابهة .

الآن، إذا ما جمعنا هذه العوامل في أنبوب اختبار واحد وهززناه، فعلام سنحصل؟ على منتوج وحيد: تشدد إيراني، مترافق مع مرونة دبلوماسية هدفها الوحيد العمل على كسب الوقت لتمكين إيران من امتلاك التقنية العسكرية النووية .

وإذا ما صحّ هذا التقدير، فإنه يعني أن الإمام خامنئي والرئيس نجاد لا يُطلان على الوضع الراهن على أنه ldquo;اللحظة اللينينيةrdquo; الذهبية لإعادة صياغة التاريخ، بل ربما هما يُمنيان النفس بrdquo;لحظة أخرىrdquo; ترتبط بتوقعات الرئيس نجاد حيال قرب انهيار الرأسمالية، وبالتالي قرب انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط .

التطوران الوحيدان اللذان قد يدفعاهما إلى تغيير رأييهما، هما إما انحدار مفاجئ في أسعار النفط، أو بروز تهديد أمريكي حقيقي بغزو بلادهما . وهذا ما حدث العام 2003 حين شعرت طهران بأن واشنطن تعد العدة لغزوها، فعمدت سريعاً إلى عرض صفقة كبرى على الأمريكيين تُشبه كثيراً في مضامينها الصفقة النيكسونية مع ماوتسي تونغ .

خارج هذين التطورين، لا يبدو أننا سنتعثّر سوى بالكثير من المناورات الدبلوماسية السرّية والعلنية والقليل من النتائج العملية .