صلاح الفضلي


خلال سنتين فقط تكررت الفتنة الطائفية في الكويت أربع مرات، أي بمعدل فتنة كل ستة أشهر، وفي كل مرة يصل الشحن الطائفي إلى حده الأقصى مما يشكل خطراً حقيقياً على وحدة المجتمع. تكرار حوادث الشحن الطائفي وبوتيرة متسارعة يدل على أن وقوع هذه الحوادث ليس أمراً عابرا ولا عرضياً، بل هو نتيجة وجود عناصر احتقان كامنة تنتظر فقط من يفجرها ويبرزها إلى السطح، وما يدل على الاحتقان الموجود في النفوس هو أن مسببات هذه الحوادث في معظمها ليست جوهرية، وهذا يؤكد أن القضية 'ليست رمانة ولكن قلوب مليانة'. في ظل هذا الجو المحتقن فإن حدوث فتنة طائفية جديدة أمر مؤكد، وهي مسألة وقت لا أكثر.

في كل مرة تحدث مثل هذه الإثارات الطائفية تتأخر الحكومة في التعامل معها حتى تستفحل الأمور وتصل إلى حافة الهاوية، وفي الأخير تقوم بخطوات لتهدئة الأمور ونزع فتيل الأزمة مؤقتاً، الخطوات الحكومية أشبه ما تكون بالمسكنات التي تخفف الألم ولكنها لا تعالج العلّة، ولذلك تتكرر الأعراض لأنه لم يتم علاج أصل المرض، بل تم الاكتفاء بمعالجة أعراضه بالمسكنات. الخشية ألا تكون عقاقير المسكنات هذه قادرة على تهدئة نوبات الألم القادمة، لأن المرض حينها يكون قد استفحل واستعصى على المسكنات، ولذا فإنه بدلاً من الاقتصار على تقديم المسكنات يجب أن نشخص أسباب هذا المرض ونعالجها قبل أن يستشري ويستعصي على العلاج.

هناك اتفاق بين من عاصروا الماضي والحاضر على أن الكويت لم تشهد في تاريخها مثل هذه الاحتقانات الطائفية الحادة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا إذن تكررت هذه النوعية من الاحتقانات بصورة متسارعة في السنوات القليلة الماضية لأمور كان من السهل معالجتها؟

إذا أردنا أن نعرف أسباب حدوث الاحتقانات الطائفية في السنوات الأخيرة على خلاف الماضي فعلينا أن نبحث في الأمور التي استجدت في المجتمع الكويتي ولم تكن موجودة في الماضي، وهي التي تجعل مثل هذه الحوادث تأخذ وتيرة متسارعة. لعل السبب الرئيس في ذلك هو انتشار الفكر الديني المتطرف في المجتمع الكويتي في السنوات الأخيرة، وهو ما لم يكن منتشراً في المجتمع الكويتي في الماضي. امتداد هذا الفكر ووصول ممثلين له إلى مواقع السلطة جعله صاحب الصوت العالي في المجتمع.

إضافة إلى تمدد الفكر الديني المتطرف، فإن الاحتقانات الطائفية في الدول المجاورة انعكست أيضاً على المجتمع الكويتي وزادت من حالة التشنج فيه، وأصبح ما يحدث في هذه الدول يجد له صدى مؤثراً في الكويت، وبدلاً من سياسة استخدام المسكنات التي تنتهجها الحكومة يجب معالجة المرض قبل أن يستفحل ويتسع الخرق على الراقع.

تعليق:

في مجتمع تمدد فيه الفكر الديني المتطرف واستشرى لم يعد مجدياً الحديث عن حرية الفكر في معرض الكتاب واستنكار منع الكتب فيه، أما لوم وزارة الإعلام على ذلك فلا طائل منه، لأن وزارة الإعلام- بل أغلب مؤسسات الدولة- أصبحت خاضعة لإرهاب جماعات التطرف الديني. وإذا كانت وزارة لم تستطع أن تفتح المبنى الجديد لمكتبة الكويت الوطنية فذهبت لتفتتح مكتبة في الهند، فهل هي قادرة على مواجهة طوفان التطرف؟!