راجح الخوري

ليس في لبنان سوى حمى المحكمة الدولية. ما كان يقال تلميحا او تلويحا، صار يقال صراحة ومن دون اي تردد ومن دون اي نظر في نتائج ما يقال، وحتى من دون حرج من نتائج التحليل الهادئ الذي يذهب البعض اليه بحثا عن الاسباب التي تدفع الى قول مثل هذا الكلام!
هل صحيح ان المحكمة تساوي الفتنة؟
ان الفتنة مثل رقصة التانغو تحتاج الى اثنين، وحتى الآن والى ما بعد قرار المحكمة لا يوجد quot;راقصانquot; وخصوصا ان سعد الحريري حرص ويحرص وهو صاحب العلاقة المباشرة على القول تكرارا ان الفتنة تكون من صنع ايدينا ونحن نصر على الهدوء والوحدة الوطنية، والفتنة المذهبية بالنسبة الينا خط احمر!
وهل صحيح ان المحكمة تساوي الحرب؟
والحرب مثل التانغو ايضا وربما مثل الدبكة تحتاج الى راقصين او الى عدد من الراقصين، وليس هناك لدى quot;ولي الدمquot; وحلفائه من يفكر في الحرب او يعد لها او يقدر عليها، وخصوصا ان الاصرار على الاستقرار والهدوء وعلى الحوار والوحدة هو العنوان الاول في يوميات رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، اضافة طبعا الى معظم ابناء هذا البلد السعيد.
لهذا فإن السؤال يبقى جائزا وضروريا: مَن يحارب مَن؟ وإذا كان هناك من يريد الحرب ولم يجد في الساحة من يحاربه او يتصدى له، فماذا يفعل؟ هل يمضي في حربه؟ والى اين يمكن ان يصل في النهاية والناس في بيوتهم؟

❐ ❐ ❐

لقد حرص المدعي العام دانيال بلمار في المقابلة الصحافية التي تعمد ان يعطيها قبل اسابيع، على ان يضخ كلمات وتوضيحات مهدئة وسط جلبة التصعيد والاحتقان بشأن المحكمة، فقال:
❐ اولا: ان التحقيق لم يأخذ بكلام شهود الزور او بشهاداتهم وانه اسقطها، وعلى اساس اسقاطها تم اطلاق سراح الضباط الاربعة. طبعا هذا لا ينهي موضوع شهود الزور الذي يصبح من شأن القضاء اللبناني. ولكن هذا يفترض ان ينهي نظريا على الاقل استعمال شهود الزور منصة للطعن في عمل المحكمة عموما.
❐ ثانيا: انه اي بلمار لم يضع مسودة القرار الاتهامي وان الامر لا يزال في رأسه، ولم يدخل احد الى رأسه ليعرف اتجاهات هذا القرار الذي يحتاج الى مزيد من التحقيقات والقرائن والادلة.
لقد بدا هذا الكلام ردا غير مباشر على ما كان قد نشر في الصحافة عن اتهام عناصر من quot;حزب اللهquot; بالتورط في الجريمة. ولكن هذا التوضيح من بلمار لم يهدئ من عاصفة الاحتقان المتزايدة في بيروت.
ولقد قيل الكثير عن مساع تبذلها دول وزعماء إما لارجاء القرار الاتهامي، وإما تمهيدا لانهاء عمل المحكمة. وقيل الكثير ايضا عن ان ليس هناك من يقدر على ان يوقف عمل المحكمة باستثناء قرار من مجلس الامن الذي انشأها. ورغم هذا يستمر دوي التصعيد في بيروت ويستمر الهجوم غير المبرر وغير المعقول على رئيس الحكومة، وقد وصل الامر منذ اسابيع الى مطالبته بما لا طاقة له عليه، لا سياسيا ومن حيث النفوذ ولا عاطفيا ومن حيث ولاية الدم، والمحكمة تحقق على ما يفترض في جرائم طاولت كثيرين غير الشهيد رفيق الحريري!
المحكمة الدولية التي قيل انها لا تتوقف عند تدخلات الدول مثل فرنسا والسعودية واميركا، كيف يمكن ان نصدّق انها رهن بنان سعد الحريري، وانه يستطيع ان يوقفها الآن، وحتى قبل ان تنظر في القرار الاتهامي الذي لم يظهر بعد؟!
واذا كان واضحا ان الامور تسير على هذا النحو، فلماذا الاصرار على التصعيد داخليا، وقد بات من شبه الواضح انه حتى سقوط الحكومة لن يوقف المحكمة، وحتى اجماع اللبنانيين على إلغائها لن يلغيها؟
لماذا لا نفكر بوسائل تقفل الابواب على اسرائيل التي قد تستغل التناقضات لاشعال الفتنة او الحرب في وقت تحتاج ازمة المفاوضات مع الفلسطينيين الى حريق يحجب الأنظار؟