إياد الدليمي
كثيرا ما نسمع من قادة وساسة عراقيين، ومعهم عدد من العسكر وحتى من قادة الاحتلال الأميركي، أن ما يجري في العراق من انفلات أمني مرتبط إلى درجة كبيرة بتأخر تشكيل الحكومة الجديدة، التي لم تر النور رغم مضي ستة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية، بل ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك وهو يحاول أن يصور -عقب كل حادثة عنف جديدة- أن الأوضاع سوف تتبدل في حال تمت تسمية فلان مرشحا لرئاسة الحكومة.
لا سر في الأمر إذا قلنا: إن العراق منذ احتلاله على يد القوات الأميركية قبل أكثر من سبعة أعوام لم ينعم بيوم واحد من هدوء، وبات ساحة للصراعات والأجندات الداخلية والإقليمية وحتى الدولية، وليس سرا إذا ما أشرنا بأصابع الاتهام إلى كل الأطراف التي ساهمت في احتلال وتدمير العراق، وقلنا: إنها الأكثر دموية والمسؤولية قبل غيرها عما يجري من أحداث عنف في العراق.
إن إلقاء تبعة كل فشل أمني على تأخر تشكيل الحكومة هو فشل آخر بحد ذاته، وكأن العراق كان ينعم بالأمن والأمان وما يجري هو خلل أمني مرده عدم وجود حكومة جديدة، إيحاءات يسعى كل طرف سياسي في العراق لاستغلالها لصالحه محاولا إقناع العراقيين بأن خلاصهم من هذا التدهور الأمني سيكون مرهونا بقبول مرشحه لرئاسة الحكومة.
المالكي، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حذر منذ الأيام الأولى لظهور نتائج الانتخابات، بأن العراق سوف يشهد مزيدا من أعمال العنف، مؤكدا أن البلاد سوف تشهد أياما دامية بسبب عدم فوزه في تلك الانتخابات، مطالبا خصومه أن يقبلوا به مرشحا للحكومة الجديدة، ومرشحا وحيدا، حتى يتسنى له معالجة الخلل الأمني.
علاوي، رئيس القائمة العراقية التي يفترض أنها فازت بالانتخابات بفارق مقعدين عن أقرب منافسيه (المالكي) حذر هو الآخر من موجة عنف قد تجتاح البلاد إذا لم تسند لقائمته رئاسة الحكومة، مؤكدا أن تزوير إرادة الناخب العراقي قد تقود إلى فوضى أخرى في البلاد، من وجهة نظره، وهكذا هلم جراً، كلٌ يدعي وصلاً لليلى وليلى لا تُقرّ لهم بذاك.
توالي أحداث العنف في العراق عقب الانتخابات ليس بالأمر الجديد على يوميات المواطن العراقي، وما شهدته المدن العراقية من هدوء هش ونسبي في الفترة التي سبقت الانتخابات لم يكن سوى حمل كاذب لا أكثر ولا أقل، والدليل أن الأمور بدأت تنهار مجددا، وصارت المدن العراقية ساحة للقتل والتفجيرات والموت.
ومن غير الوارد أن يؤدي تشكيل الحكومة الجديدة إلى إشاعة نوع من الاستقرار في العراق، والسبب أن أي مرشح للجلوس على كرسي بغداد سوف يواجه منذ الأشهر الأولى العديد من المشاكل، لعل أبرزها خصومه السياسيون، الذين سوف ينظرون إليه بعين الريبة والحسد وبالتالي فإنهم قبل غيرهم سوف يضعون العصي في دواليب حكومته، ولن تتمكن من السير في منعرجات الشوارع العراقية المشبعة برائحة الموت والدمار.
ليس هذا فحسب، بل إن أية حكومة جديدة لا تُرضي الجوار الإقليمي سوف تعاني من قطيعة وتدخلات مباشرة وغير مباشرة، وكل طرف من هذا الإقليم المجاور للعراق له حصته في هذه التدخلات، مع تباين في نسبة هذه الحصص، فإيران ليست كالكويت، كما أنها لا تتساوى مع تركيا في هذا التدخل، وكما يقول العراقي: laquo;جيب ليل واخذ عتابةraquo;.
الطريق الممهور بدماء العراقيين لا يبدو أنه سيكون معبداً أمام أية حكومة جديدة، بغض النظر عن الطرف الذي سوف يشكلها، فالساسة من برجهم العاجي لا يريدون أن يتنازلوا لصالح الوطن، متمسكين بأجنداتهم الحزبية والطائفية والفئوية والإقليمية أيضا، وبالتالي فإن دماء العراقيين التي بدأت تغلي لن ترتاح قبل أن تقطف ثمار سنوات الدم، ولا أعتقد أن أيا من ساسة العراق وأحزابه يملك تصورا عن كيفية قطف تلك الثمار.
لا مناص من القول بأن العنف في العراق غير مرهون بتشكيل أو عدم تشكيل الحكومة، وإنما هو مرتبط بأجندات، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، ومتى ما تقاسمت تلك الأطراف، وعلى رأسها أميركا وإيران، حصص كعكعة العراق المسمومة يمكن أن نرى أمناً، وحتى هذا لن يكون مدعما بركائز الاستقرار ما دام مرهوناً بإرادات الخارج، ولك الله يا عراق.
التعليقات