فوزية عبدالله أبو خالد

قد يكون مفاجئًا للبعض لفت النظر إلى أن موقع المرأة السعودية تاريخياً وإن كان يتحدد بهويتها الأنثوية وبالنوع الاجتماعي الذي تنتمي له مثل واقع المرأة في أغلب المجتمعات الذكورية، كما وإنه وإن كان يتحدد بانتمائها الأسري أو القبلي كالوضع في أغلب المجتمعات الأبوية،

فإن تلك المحددات لم تكن تاريخياً محل استسلام تام من المرأة، كما أنها لم تكن محل إذعان منظم من المجتمع كما جرى في حقب التأسيس لكيان الدولة الوطنية الموحدة بحكم المقتضيات السياسية التي تأسست في مختلف أجزاء الوطن العربي على مفهوم الدولة القطرية مع مطلع القرن الماضي بخصوصيات وشروط متفاوتة لتشريعات وتطبيقات ذلك المفهوم.

لقد كانت تلك المحددات لواقع المرأة ودون الاستيهام في تصور صور وردية مبالغ فيها عن الماضي لا تستطيع أن تلعب أدوراً مطلقة لا في حياة المرأة ولا في حياة المجتمع كما تحول الأمر لاحقاً. إذ رغم الطبيعة التراتبية لتلك المحددات فإن طبيعة التنوع الحضاري والجغرافي والاقتصادي على كفافه ما قبل تأسيس الدولة الوطنية واكتشاف البترول كان يقتضي إن لم يكن الخروج على هذه المحددات التراتبية في علاقة المرأة والرجل ببعضهما البعض وبالمجتمع فإنه كان يسمح بالكثير من المرونة في التعامل معها وفي تحديد مساحة التعامل بين المرأة والرجل ومساحة حركة المرأة في فضاء مشترك.

ففي البيئة البدوية للنشاط الرعوي في مناطق جغرافية شاسعة كما في منطقة نجد بالوسط، وفي البيئات الزراعية المتفرقة في الواحات والقرى أو في مناطق بأكملها مثل عسير وتهامة من سلسلة جبال السروات في الجنوب وكذلك في البقع الزراعية من الشمال كان من المستحيل على أرض الواقع تطبيق أو توظيف تلك المحددات بالشكل الذي يسمح بالفصل القاطع بين الرجال والنساء أو بالعزل الصارم بين ما يعرف بالحيز البيتي والحيز العام الذي جرى فيما بعد. يمكن الرجوع لبعض المراجع التي تتبعت حياة المجتمع السعودي وحياة المرأة ما قبل اكتشاف النفط في بعض مؤلفات وبحوث عدد من الكتاب المعنيين بالشأن الاجتماعي والأنثروبولوجي مثل (عبدالكريم الجهيمان, سعد الصويان، فوزية أبوخالد، سلوى الخطيب).

وبالنظر أيضاً لطبيعة التنوع الحضاري بمنطقة الحجاز الذي ارتبط تاريخياً بالنشاط الديني والثقافي والاقتصادي ليس فقط في مواسم الحج والعمرة للمسجد الحرام بمكة المكرمة بالزيارة النبوية للمدينة المنورة بل طوال العام وفي سواهما من حواضر المنطقة ومدنها خاصة تلك المطلة بأهميتها التجارية على البحر الأحمر مثل مدينة جدة، فإن ذلك أيضاً كان يشكل خلخلة حضارية إن صح التعبير لقطعية تلك المحددات التراتبية في تحديد موقع المرأة المجتمعي في أوجهه المختلفة سواء بصيغتها الذكورية أو الأبوية. يمكن الرجوع أيضاً في تعقب هذا الأمر في بعض دراسات ثريا التركي الهامة عن منطقة الحجاز.

وهذا ينطبق بنسبية على المنطقة الشرقية المطلة على الخليج العربي, كما تشير إلى ذلك بعض الدراسات للتاريخ الاجتماعي بمنطقة الخليج ومنها دراسات (لمحمد الرميحي وعائشة المانع وفريدة العلاقي).

ونحن بهذه الإشارة لا نأتي بجديد, وإن كان ما نقوله ليس شائعاً اليوم في الأوساط الخارجية الغربية والعربية المهتمة بالشأن النسوي في المجتمع السعودي, إن لم يكن الشائع وخاصة إعلامياً عكس ذلك مما ينزع عن المرأة السعودية تاريخية كفاحها المعيشي والإنساني ليبدو الأمر وكأن المرأة بالمجتمع السعودي كائن غائب تاريخياً لم يخرج إلى الوجود إلا من معطف أو آبار النفط في أعقاب قرار فتح مدارس حكومية للبنات في الستينات الميلادية للقرن المنصرم, بل يذهب التجاهل إلى القول بأن هذا الوجود الغائب كان سيبقى بغير مساءلة لولا تسليط الكاميرات عليه من قبل القوى الخارجية ما بعد 11 سبتمبر.

وفي هذا السياق لا بد التنويه إلى أن ما نقوله بنقض ما يشاع عن سكونية المرأة السعودية تاريخياً وإن لم يخضع لعملية توثيق وتحليل أنثروبولوجي وسيسيولوجي كاف لكشفه فإنه يشكل عالماً ثرياً من المرويات الشفهية لجيل جدات وأجداد لا يزال عدد منهم حياً يرزق بما يسمح الاستشهاد به وإن اقتضى الأمر تدوينه تدويناً علمياً مقنناً بدأ بعضه يظهر ليس في مراجع علمية بالضرورة ولكن يمكن استجلاؤه في بعض كتابات السيرة الذاتية مثل سيرة الشيخ العلامة حمد الجاسر وسيرة (عبدالله الطيار), حيث نجد في بعض تلك الكتابات صوراً أخاذة لتلك المرأة التي كانت تكتب بحياتها اليومية البسيطة أسطورة تحدي الفقر والجهل والمرض والجوع بل والحروب التي كانت تواجه المجتمع ما قبل الوحدة الوطنية واكتشاف البترول.

وأخيراً وليس آخراً..

ونحن في محاولة الإشارة إلى أهمية البحث في الجدل الطبيعي في حركة التاريخ الاجتماعي لموقع المرأة بالمجتمع السعودي مثله مثل أي مجتمع سوي مر ويمر بمراحل مد وجزر ترتبط بطبيعة التحولات التي يمر بها المجتمع واتجاهاتها لا نروم اختراع ذاكرة لهذا الواقع والاستقواء بها للدفاع عن الواقع القائم أو اتهامه، بقدر ما نريد أن نشير إلى طاقات البحث الكامنة والمغرية التي لا يزال بعضها غفلاً في الحديث عن واقع المرأة بالمجتمع السعودي. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

محطة ليست نهائية:

لقد كانت مبادرة جميلة من الصحفيات الشابات بالقسم النسائي لجريدة الجزيرة دعوة الكاتبات للقاء ودي بين عدد ممن يجمعهن حب الجزيرة الجريدة والوطن ومنهن العزيزة رقية الهويريني. وقد كان جميلاً أن نرى تجربتهن في الخروج على محدودية الكتابة عن بعد إلى المشاركة في كل عمليات العمل الصحفي الفني والتقني والتحريري. وهذه تجربة تضاف لتجربة جريدة الرياض التي أخرجت لنا أسماء نسائية مميزة في العمل الصحفي . فتحية للشابات الطموحات أ. ماجدة السويح وأ. جوهرة الرصيص. فقد أثرن وزميلاتهن الممشوقات طموحاً, دهشتي بحماسهن وإشراقهن, وإن كنت لا أزال مفعمة بسؤال متى بدأت تكتبين؟ مما حداني للتفكير في كتابة مقال اليوم فلعله يجيب عن بعض السؤال.