ماجد عزام

عندما طالب افيغدور ليبرمان بتبني فكرة تبادل الأرض والسكان بدلا من الأرض مقابل السلام كقاعدة لعملية التسوية والمفاوضات الجارية الآن بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لم يكن يعبر عن رأي شخصي بالمعنى الحرفي للمصطلح كما زعم فيما بعد ببساطة لان ليبرمان نفسه لم يعد شخصا هامشيا في الساحة السياسية الإسرائيلية وعندما يطرح رئيس الحزب الثالث في إسرائيل والثاني في الائتلاف الحاكم رأيا فان من الصعوبة بمكان التعاطي معه وكأنه رأي شخصي لا شان للحكومة أو لإسرائيل به .
من حيث المباد يجب التعاطي بحذر مع معظم التصريحات والإخبار الواردة من إسرائيل والتمعن والتمحيص فيها جيدا قبل استخلاص الاستنتاجات الملائمة منها وبالنسبة لتصريح ليبرمان الأخير لا يمكن تجاهل إمكانية التنسيق أو التفاهم مع نتنياهو على فحواه خاصة إن هذا الأخير كان قد اعتبر قبل سنوات أمام مؤتمر هرتسيليا السنوي عرب الـ 48 بمثابة خطر استراتيجي يجب التنبه له ومواجهته وهو ما تضمنته الوثيقة الشهيرة نفسها التي رفعها رئيس جهاز الشاباك يوفال ديسكين إلى رئيس الوزراء السابق إيهود اولمرت إذن فليبرمان بديماغوجيته وصخبه وفظاظته لا يفعل شيئا أكثر من التعبير عن حقيقة تصورات المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل دون أي تجميل أو تزييف.
هنري كيسنجر قال ذات مرة أن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية بل داخلية فقط واستخدام هذا المنطق لفهم تصريحات ليبرمان يعنى إن هذا الأخير ليس شخصاً عدمياً بل هو في الحقيقة صاحب رؤية ويملك خطة للسلام وانه لا يرفض عملية التسوية جملة وتفصيلا وإنما بالعكس يسعى إلى إنجاحها عبر وضعها على القاعدة او السكة الصحيحة كما يراها.
أما المطالبة باستبدال قاعدة الأرض مقابل السلام بقاعدة تبادل الأرض والسكان فتعنى تحديثاً أو تجميلاً وتحريفاً للموقف التاريخي لليمين الرافض للقاعدة الأولى ولكن بدلا من طرح فكرة السلام مقابل السلام التي لا تعنى في الجوهر سوى استمرار الأمر الواقع يتم طرح فكرة تبادل الأرض والسكان العنصرية والتعجيزية في ان لإغراق المفاوضات في المتاهات وتجاوز القضايا الأخرى المصيرية والصعبة والحساسة مثل القدس والحدود واللاجئين.
في السياق التكتيكي يحاول ليبرمان صد الضغوط المطالبة بمواصلة الكبح المؤقت والجزئي للاستيطان في الضفة الغربية عبر تكريس القناعة بان المستوطنات ليست المشكلة وأما استراتيجيا فهو يساوى بينها رغم كونها غير شرعية او قانونية وفق القوانين والمواثيق، وبين القرى والمدن والتجمعات العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 كما بين المستوطنين وأصحاب الأرض الأصليين من عرب 48 .
ربما لم ينتبه كثيرون إلى زعم ليبرمان ان مطالبته بتغيير قواعد عملية التسوية تأتي ردا على رفض السلطة والجامعة العربية الإقرار بيهودية إسرائيل وبالتالي فان حصول ذلك ينسف فكرة تبادل الأرض والسكان من أساسها وهنا نعود إلى فكرة التواطؤ والتنسيق مع نتنياهو وتحضر فكرة المؤامرة أيضا في ضوء ما نشره موقع قضايا عبرية الأربعاء 24 آب الماضي عن مؤامرة سرية بين نتنياهو وليبرمان لصد الضغوط المطالبة بتمديد الكبح المؤقت للاستيطان عبر تهديد الثاني بالاستقالة من الحكومة وفرط الائتلاف ما يعنى في المحصلة انتخابات مبكرة تضع عملية التسوية والجهود الأميركية في الثلاجة إلى إشعار آخر .
غير ان اخطر الأمور في ما وراء وخلفيات تصريح ليبرمان يتمثل في نفي مسؤولية الفشل السابق -واللاحق - لعملية التسوية عن إسرائيل وإلقائها على الفلسطينيين والعرب كما على المنهج الخاطئ والقواعد غير المناسبة التي تم إتباعها من قبل أمريكا والمجتمع الدولي من اجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي للصراع في فلسطين والمنطقة .لا خوف على عرب 48 الواعين جدا لما يحاك لهم والمصرين على التمسك بحقوقهم وخوض الصراع حتى النهاية دفاعا عنها غير إن الأمر مختلف للأسف في الضفة الغربية وغزة ورغم التحليل الصحيح لتصريحات ليبرمان من قبل السلطتين إلا أن الاستنتاجات لم تكن كذلك طالما لم يتم إنهاء الانقسام وتكريس المصالحة من اجل مواجهة ليبرمان و الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل فلا فائدة من الثرثرة والجعجعة التي لا تسمن ولا تغنى من جوع .