سركيس نعوم

يضحك قادة quot;حزب اللهquot; عندما يسألهم سياسي او إعلامي، وإن غير بعيد منهم او غير معادٍ لحزبهم من حيث المبدأ بسبب مقاومته الناجحة للاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من لبنان، عن خلاف قائم حالياً بين قادتهم وسوريا بشار الاسد، او عن خلاف محتمل قريباً بينهما، او عن تباين في وجهات النظر حيال عدد من قضايا الداخل والخارج. ويسارعون الى نفي ذلك كله جملة وتفصيلاً، ويقولون انه مجرد تخيّلات لأعدائهم بل لأعداءحزبهم وخطهم الاستراتيجي والسياسي الاسلامي الشامل اي غير المنحصر في لبنان وحده، ومجرد تمنيات يودون لو انها تتحقق. طبعاً لا ينفي هؤلاء احياناً بعض التباين في التفاصيل بين سوريا والحزب وربما بعض سوء فهم متبادل. لكنهم يؤكدون ان ذلك لا يفسد للودّ قضية، ولا للتحالف القائم بين الحزب وسوريا، ولا للحلف الاستراتيجي الذي يجمع سوريا بشار الأسد بالجمهورية الاسلامية الايرانية. لا بل ان هؤلاء يعتبرون ان حزبهم هو لحمة هذا الحلف، وهو لبنانياً بل اقليمياً الترجمة العملية الناجحة له، وخصوصاً بعد الانجازات الكثيرة التي تحققت منذ quot;التحالف الثلاثيquot; هذا، سواء على الصعيد اللبناني (تحرير من احتلال اسرائيلي)، او على الصعيد السوري (اختراق جدار العزلة الدولي بل الحصار على النظام في دمشق، وخصوصاً منذ اواخر 2004، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والعودة رقماً صعباً في معادلة امن المنطقة واستقرارها)، او على الصعيد الايراني (امتداد نفوذ طهران بقوة من خلال لبنان على ساحل المتوسط وفي مناطق عربية واسلامية اخرى).
هل نظرة الاميركيين الى العلاقة بين quot;حزب اللهquot; وسوريا الأسد مشابهة للنظرة المفصّلة اعلاه التي يجهد قادة الحزب وانصاره لتعميمها، وخصوصاً في اوساط المشككين فيها داخل لبنان وفي العالم العربي والاسلامي فضلاً عن العالم الاوسع؟
طبعاً ليس سهلاً الحديث عن نظرة اميركية رسمية للموضوع المذكور اعلاه، وخصوصاً في ظل السياسة الرسمية الاميركية المعلنة تجاه quot;حزب اللهquot; التي تعتبره ارهابياً، والتي تأخذ على سوريا الأسد دعمها إياه ودعم quot;حماسquot; (الارهابية في نظرها) الفلسطينية ايضاً.
لكن يمكن الاطلاع من اشخاص عملوا في انتظام على خط دمشق - واشنطن في العقدين الاخيرين من القرن الماضي، وبتقطع في السنوات الاولى للعقد الاول من القرن الحالي، وكانت لهم اجتماعات ولقاءات على مستويات عدة بعضها رفيع جداً - يمكن الاطلاع منهم وفي ضوء خبرتهم على نوع العلاقة التي يعتقدون انها قامت بين quot;حزب اللهquot; وسوريا حافظ الأسد وعلاقة سوريا بشار الأسد حالياً مع الحزب نفسه وفي مدى التقارب او التباعد بين العلاقتين.
ماذا يقول هؤلاء الاشخاص؟
يقولون ان العلاقة بين سوريا الأسد الأب لم تستقم مع quot;حزب اللهquot; الذي quot;وُلِدquot; عام 1982 على يد ايران الاسلامية عام 1990، وذلك رغم الحلف الذي قام بين الدولتين وخصوصاً أثناء حرب عراق صدام حسين على ايران. وقد خاضت الدولتان حرباً شرسة بالواسطة وتحديداً بطرفين شيعيين لم تنته الا بعد تفاهم دمشق وطهران على الاستراتيجيا والسياسات وتفاصيلها وخصوصاً دور لبنان فيها. ويقولون ايضاً ان الأسد الأب لم يستقبل قيادة quot;حزب اللهquot; طوال ولايته، وإن سبب عدم منحه ثقة كاملة كان اقتناعه بأن ولاءه (اي الحزب) موزع بينه وبين ايران، وهذا في احسن الاحوال. ولهذا السبب كان دعمه كبيراً جداً للفريق الشيعي الذي كان موالياً له في لبنان.
اما عندما تسلّم الدكتور بشار الاسد رئاسة سوريا، يضيف هؤلاء، فإنه quot;عَكَسquot; سياسة والده، وسهّل قيام علاقة ثقة وتعاون كامل مع الحزب وقيادته. وقد شجعه على ذلك إعجابه بمقاومته وانجذابه اليها. وأثار ذلك نوعاً من الخوف او الرعب في اوساط معينة داخل بلاده وفي المنطقة كما في العالم. كما شجعه عليه شعوره بالحاجة الى الحزب وبضرورة الاعتماد عليه لابقاء السيطرة على لبنان، ولاستكمال السيطرة داخل سوريا بعد التغيير الرئاسي. لكنهم (اي الاشخاص انفسهم الذين عملوا عقدين على خط دمشق واشنطن) يلفتون الى انهم يلاحظون نوعاً من التغيير. اذ ان الأسد الإبن يعود تدريجاً الى سياسة والده العامة وخصوصاً تلك التي لها علاقة بـquot;حزب اللهquot;. ويعزون ذلك الى اقتناعه بأن ولاءه الاول او ربما الاوحد هو لايران، وبأن سيطرته عليه ضعيفة جداً، وبأن ذلك يعكس طموحات ايرانية وquot;حزبيةquot; مقلقة في نظره. ويعزونه ايضاً الى حرصه على تلافي استدراجه من اي أحد الى حرب مع اسرائيل قبل اوانها او ليست على quot;اجندتهquot;، وخصوصاً إذا سيطر الحزب كلياً على لبنان. الى ذلك يقول الاشخاص انفسهم (وهم اميركيون) ان سوريا الأسد الإبن لا تشعر بأنها قوية كفاية للسيطرة على الحزب أولاً لأن عسكرها صار خارج لبنان. وثانياً، لأنها مقتنعة بالعجز عن السيطرة عليه حتى لو حصلت على ضوء اخضر اقليمي ndash; دولي لاعادة عسكرها الى لبنان. طبعاً لا يعني ذلك استسلام سوريا بشار الأسد امام كل ذلك. فهو قوّى نفسه ولا يزال، واستناداً الى تحالفاته اللبنانية يوجّه رسائل متواصلة الى الحزب تحذره من الوقوع في وهم السيطرة المطلقة والمنفردة على لبنان. فضلاً عن انه وظّف سياسة الحزب وراعيه الاقليمي لإثارة مخاوف quot;الشعوبquot; اللبنانية الاخرى وتالياً لدفعها الى قبول الحماية السورية لها. وقد يكون ما يجري حالياً هو البحث التفصيلي في هذه الحماية، او بالأحرى استكمال إقناع المسؤولين بها بوسائل متنوعة قد لا تكون سلمية كلها. وفي هذا الاطار يضع الاشخاص انفسهم quot;التلاقيquot; الذي بدأ من الكويت بين السعودية وسوريا الاسد الابن والذي أثمر رئيساً لدولة لبنان ورئيساً لحكومته حليفاً للأولى. ولا يستبعدون ان تكون بلادهم موافقة على ذلك.
هل الاقوال المذكورة اعلاه صحيحة كلها؟
لا يمكن التقليل من اهميتها وصحتها. اما التحليلات المتعلقة بما يجري حالياً او بما بدأ يجري منذ تسلّم بشار الأسد الرئاسة مكان والده فإن الوقت مع التطورات كفيل باظهار مدى جديتها وصحتها. علماً ان التسليم بدور سوريا الحامي للخائفين او quot;المستهدَفينquot; يقتضي او يفترض ان يقتضي quot;ثمناًquot; كبيراً. فهل هؤلاء جاهزون لدفعه علماً ان لا ضمان كاملاً لهذه الحماية؟