زهير فهد الحارثي

طبعاً المقصود بها هنا الفتنة أو الانقلاب على الشرعية . سمها ما شئت ولكن من الواضح أن المشهد السياسي اللبناني الراهن بلا شك هو متأزّم ، والأجواء مليئة بالاحتقان السياسي والشعبي خاصة في ظل التراشق الإعلامي والسجال السياسي وهو ما يثير تساؤلا حول قدرة اللبنانيين على التوصل لحل يحول دون اللجوء للشارع.

يبدو أن جهود الرياض ودمشق مستمرة في تجنيب لبنان الانزلاق نحو الهاوية ، وإن هناك توجها أو ترتيبا لعقد لقاء يجمع الحريري ونصرالله هذه الجهود البعيدة عن الأضواء عزّزت الآمال لدى الكثيرين بإيجاد مخرج للأزمة

على أن انسداد أفق الحلول السياسية في بلد متناقض كلبنان بطبيعته يُنذر بانفجار ، وكأنه متكئ على برميل بارود فضلاً عن أن الأجواء المشحونة قد تدفع باتجاه تكرار سيناريو انقلاب 7 أيار 2008 . فأحداث الأسابيع الماضية أعادت الأمور إلى المربع الأول،وما زالت البلاد تعيش ارتدادات زلزال الاغتيال، وما افرزه من تجاذبات وانقسامات .

على أن شعار التهدئة، والذي كان نتيجة لزيارة الزعيمين السعودي والسوري، يواجه مناخات صعبة ومعقدة، فquot;حزب اللهquot; مصرّ على إسقاط المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قبل صدور القرار الاتهامي وليس بعده. في المقابل يؤكد الرئيس سعد الحريري يومياً أنه لا مساومة على المحكمة.

تُرى إذن ما هي الاحتمالات التي يمكن أن يواجهها لبنان في الأسابيع المقبلة؟

هناك قراءة ترى بأن الحزب يتجه إلى التصعيد والتأزيم طالما أنه يشعر بقرب الإدانة، وبالتالي فما عليه سوى تفجير الوضع لإضعاف قرار الاتهام وبالتالي تغطية اتهامه بالجريمة ، وقد تتطور الحال بقيام الحزب بإسقاط الحكومة الشرعية وفرض حكومة وفق رؤيته ، وهناك من يرى أن الحزب سيجر إسرائيل للاشتباك معه لكسب التعاطف الشعبي داخليا وعربيا ومحاولة بعثرة الأوراق من جديد.

على أن المظلة العربية ، أو بالأحرى التفاهم السعودي- السوري، أو( س + س ) وفق تعبيرات نبيه بري ساهم بالتهدئة ، والحيلولة دون انزلاقه نحو الاحتمالات السلبية. وأرست معادلة لا للعنف ولا للسلاح، وإن كان هناك ثمة خلاف فانه يُصار للاحتكام للمؤسسات الدستورية. نتج عن ذلك ضرورة بقاء حكومة سعد الحريري، والبحث عن طريقة لمعالجة توقيت صدور القرار الظني ، مع التأكيد على بقاء المحكمة الدولية.

ويبدو أن جهود الرياض ودمشق مستمرة في تجنيب لبنان الانزلاق نحو الهاوية ، وان هناك توجها أو ترتيبا لعقد لقاء يجمع الحريري ونصر الله. هذه الجهود البعيدة عن الأضواء عزّزت الآمال لدى الكثيرين بإيجاد مخرج للازمة. لان الحريق لو نشب سيمتد ولن تقتصر آثاره على لبنان.

ومع ذلك فإن ما حدث في الأيام الماضية من تصعيد مفتعل وتطاول شخصي من حزب الله وعون وجميل السيد تجاه رئيس الحكومة والشرعية، كان يهدف إلى التأثير على التقارب السعودي - السوري ،فضلا عن استهداف أجهزة الدولة ومقوماتها واستثارة الشارع ناهيك عن عرقلة سير عمل المحكمة .

ويواجه حزب الله اليوم مأزقا حقيقيا يهدد مصداقيته، كحزب سياسي، وانهيار مشروعية دوره كحزب مقاومة، بعدما أدار وجهة سلاحه للداخل بدلا من العدو المجاور.

إن الذي ينساه أو يتناساه حزب الله أن موضوع المحكمة أصبح بيد المجتمع الدولي ولا يمكن لأحد إلغاءها سواء من داخل لبنان أو خارجه. نعم قد يتم تأجيل القرار الظني لأسبوع أو شهر أو شهرين لكن في نهاية المطاف لابد من تطبيق العدالة.

الأمر الآخر أن عمل حزب الله الاستباقي باتهام المحكمة بالتسسيس يكشف عن اعترافه بإدانته بالجرم دون أن يعلم، فارتباكه ينطبق عليه القول quot; كاد المريب أن يقول خذونيquot;. فلو كان بريئا لانتظر صدور قرار الاتهام ومن ثم قام بتفنيده وفقا للحقائق والوقائع التي يدعي انه يملكها.

على أن القرار الظني المتوقع صدوره قد يضع حزب الله تحت المساءلة الدولية، وسيضطر معه الحزب إما إلى تسليم المتهمين ، وفي حالة رفضه أو انقلابه على الشرعية فسيكون عرضة تحت طائلة العقوبات الدولية لمعارضته للقرار 1757 تحت الفصل السابع .

غير أن المفارقة تكمن في مطالبة حزب الله بإسقاط المحكمة وهو بند ضمن بنود إجماع الحوار الوطني والبيان الوزاري للحكومة الذي سبق ان أُقر عليه بالإجماع ووافق عليه quot;حزب اللهquot;.

وهذا ما جعل قوى 14 آذار تتهم حزب الله وحلفاءه بالقيام بمحاولة انقلابية هدفها العودة إلى ما قبل العام 2005 ، مستغربة ردة الفعل على موقف الحريري رغم ما تضمنه من تنازلات وبالحملة المضادة عليه من حزب الله وحلفائه،متزامنا مع صمت سوري أثار كثيرا من التساؤلات.

فالبعض اعتقد أن هناك تباينا بين دمشق وحزب الله في التعاطي مع الملف اللبناني، لكن تلاشى هذا الاعتقاد إثر تهجم جميل السيد على الحريري والمحكمة الدولية والذي جاء بعد أيام على لقائه الرئيس السوري، وبموازاة ذلك تهجم عون على الحريري، بعد لقاء موفده جبران باسيل مع الرئيس الأسد.

لا نعلم على وجه الدقة حقيقة ما يحدث وهل كان هناك غطاء سوري لها أم لا، ولكن وفقا لتحليلات وقراءات مختلفة لا نعلم مدى صحتها ، ترى أن تباين الرؤية حول ملفات المنطقة ساهم في تباعد أطراف المعادلة عن بعضهما ، فبعد اتفاقهما على ترتيبات محددة حول العراق ، عادت دمشق لخيار معين وتركت خيارات سبق أن اتفقت عليها مع الرياض، كما أن مفاوضات السلام ، ومطالبة واشنطن بالانخراط فيها ، لاشك انه يدفع دمشق للحصول على ثمن في لبنان ، يتمثل في إلغاء المحكمة لحماية حزب الله والاستفادة منه كعنصر ضاغط حين يبدأ المسار السوري في المفاوضات.

قد يكون هذا الكلام دقيقا وقد لا يكون، ولكن ما نعرفه أن الزعيمين كانا في بيروت معا. كان للصورة من الدلالات الكثير في بلد بات من السهل انزلاقه في أتون المخاطر لهشاشة أرضيته . صورة عززت الشرعية العربية ومنطق الدولة في لبنان، أي دعم دولة المؤسسات في لبنان ووحدته واستقراره .

على أي حال , لا احد يعلم إلى أين تتجه الأمور، لاسيما في وجود شكوك ترى بأن حزب الله بصدد افتعال أزمة داخلية تنفيذا لأجندة خارجية ، إلا أن موضوع المحكمة ونتائجها بيد المجتمع الدولي والتصعيد لن يسقطها ، وموضوع شهود الزور يدرسه مجلس الوزراء، وبالتالي العدالة والاستقرار لا ينفصلان،ما يعني الانخراط في حوارات هادئة ومشاورات حكيمة بين كافة الأطراف من اجل تسوية داخلية تُغلب مصلحة لبنان وتحقق العدالة في آن واحد ..