حسان الزين


في هذه المرحلة التي تحمل عنوان انتظار القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية في شأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تُقاس درجة حرارة حزب الله بالمسافة بينه وبين سعد الحريري.
المسألة، والظروف، إذاً، صعبة ودراميّة ومشوّقة. فسعد الحريري في موقع من يريد الحقيقة، فيما حزب الله، وفق المعلومات أو ما يُقال إنه معلومات، هو أو عناصر منه أو مقرّبون منه، في موقع المتَّهم. ويشاء هذا السيناريو المفتوح على الاحتمالات أن يَشعر حزب الله باستهدافه، وأن يقف سعد الحريري في دور الساكت عن طمأنة المتهم والتقدّم في اتجاهه، وأحياناً في دور المصرّ على تركه يواجه قدره وحيداً مهما كان الثمن، وأحياناً أخرى في دور المتجاوز له نحو محاولات لإعادة رسم الخريطة السياسيّة في لبنان والمنطقة من دونه، بل على حسابه.
سعد الحريري في هذا لا يبدو في صدد الخروج عن النص والتسلسل الآلي لعمل المحكمة، ويبرّد أعصابه ويدوزن إيقاعه تحت شعار ترك المحكمة تأخذ مجراها ولا شيء سيحصل خارجها، ولا سيما إذا جرى التوافق مع سوريا... فهذا سيُنتج إمساكاً للوضع.
هذه هي الدراما. والعقدة تفرض نفسها تحت وطأة الصراع الحاد والقاسي بين مسار المحكمة والعدالة من جهة، وخيط الأخوّة في الوطن أو في الدين من جهة أخرى. وتفترض هذه العقدة الدرامية التي تُحضر معها عقدة أوديب وعقدة قميص عثمان، وربما غيرهما، بعض المشاعر والنزاعات الداخلية النفسيّة والأخلاقيّة، لكن حتى اللحظة لا يظهر على سعد الحريري أيٌّ من هذا. وهكذا، تنتقل الكاميرا إلى حزب الله وسيّده حسن نصر الله حيث الدراما والمشاعر والحركة.
هنا التشويق والثراء المشهدي العاطفي والمخزون التراثي الكربلائي الطويل والعميق ومحطّاته القريبة زمنيّاً.
في المقابل، لا يعني انجذاب الكاميرا إلى حزب الله وسيّده أن الجهة الأخرى من المسرح جامدة. ثمة فيها، سرّاً وعلناً، حركة درامية من نوع آخر. ففي موازاة تنامي الفعل الدرامي على جبهة حزب الله، تتحرك الخيوط الدرامية للمستقبل. هنا، يضع اللمسات الأخيرة لحزبه، وهناك يرمم العلاقات مع سوريا، وهنالك المحكمة تسير في خطوات قدريّة أقرب إلى الموسيقى التصويريّة. وبين هذه وتلك، وبين هنا وهناك وهنالك، الصراع الإقليمي والدولي... وإيران محاصرة مستهدفة وحزب الله في الواجهة.
وسط هذا، غدت حركة سعد الحريري وملامحه غنيّة، باتت مركزَ الغموض الدرامي وإحدى ألعابه التشويقيّة. فالبرودة معه باتت تقول الانتظار الذي يُخفي ما هو آتٍ؛ والصمتُ موعد مع النطق؛ والمشي المتأنّي المتأنّق تأجيج للغموض والإثارة؛ والسفرُ حياكة في الكواليس؛ والظهور في الصورة رسالة؛ والغيابُ دفع للآخرين إلى المقدّمة والمنبر؛ والكلام العام توجيه للتفاصيل... الخ. كل هذا، يستبطن توتّراً مصدرُه صعوبة اللحظة وخطورتها والاستعدادات النفسيّة والمعرفيّة لهذه الشخصيّة الدراميّة، إضافة إلى تركيبة بيتها المستقبلي والآذاري وما في هذا من تعدّد رؤوس واتجاهات ومصالح.
تختزن هذه الحلقة الدرامية العديد من الإشارات والخيوط. ثمّة ما يوحي بأن طبخة ما يجري إعدادُها في المنطقة، وصفتُها جذبُ سوريا من إيران بإعطائها دوراً في العراق... وفي لبنان. والهدف من هذا محاصرة حزب الله وحلفائه.
وبمعزل عمّا إذا كان هذا صحيحاً أو لا، وعمّا إذا كان الرهان على تحقيقه سذاجة أو ذكاءً، وعمّا إذا كان حان وقته أو لا، إنّه خيط ترقص عليه الدراما. وهذه دخلت مرحلة جديدة بإيقاع أسرع، إلى درجة أنها تبدو في أحيانٍ كثيرة بحاجة إلى أكثر من شاشة.
أخيراً، ليس المقصود بالقول إن حرارة حزب الله تقاس ببعد الحريري عنه أي إشارة عاطفيّة تذكّر بالأغاني وتعطي الحريري امتيازاً. الأمر ليس كذلك، فحرارة الحريري نفسه، وآخرين كثيرين، باتت من حرارة حزب الله وسرّها وريموت كونترولها في يد حزب الله، ولا سيما مع إطلالات نصر الله الذي لا يمكن سعد الحريري أن ينافسه.