سركيس نعوم
ليس العراق القضية الخارجية التي يمكن ان يحاول الرئيس الاميركي باراك اوباما معالجتها، وذلك بغية الافادة منها داخل بلاده اولاً، لتعزيز شعبيته المتراجعة. وثانياً، لنجاحه في تجديد ولايته الرئاسية بعد نحو سنتين من الآن في رأي عدد من مراكز الابحاث الاميركية وكبار الباحثين فيها. إذ أن هناك القليل الذي يمكن القيام به في هذه الدولة بعد الذي جرى فيها منذ الغزو ربيع 2003، وبعد بدء تنفيذ اتفاق انسحاب القوات الذي وقّعته الادارة الاميركية مع الحكومة العراقية.
ويفترض ان ينتهي الانسحاب في آب من هذه السنة. ربما يمكن تفاهم اوباما وحكومة نوري المالكي على تأخير سحب 50 الف جندي اميركي موجودين في العراق حاليا اذا طرأت ظروف تفرض على العراقيين اقتراح ذلك. لكن هذا الامر وأموراً اخرى ليست المشكلة في العراق، وانما هي في اللحظة الراهنة quot;وجودquot; ايران غير المرئي في هذه الدولة، ودعمها الواسع للقوى العاملة على تخريبها وايقاعها في حال من الفوضى الشاملة.
وليست عملية السلام الشرق الاوسطية القضية الخارجية التي يمكن ان يتصدى لها اوباما بغية تحقيق هدفيه المشار اليهما اعلاه. فالتسوية السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين تقتضي مثلاً تخلي حركة quot;حماسquot; عن موقفها السلبي الرافض السلام، وذلك امر غير مرجّح. وتقتضي ايضاً قيام اسرائيل بعدد من التنازلات التي لا احد يعتقد انها ستقوم بها. والمشكلة مع فريقي الصراع هذين هي ان محادثات السلام بينهما تلك التي اجريت ايام الرئيس بيل كلينتون لا تنتهي عادة الا بالفوضى.
طبعاً، يلفت الباحثون الكبار اياهم في مراكز الابحاث الاميركية نفسها، الى ان اوروبا وروسيا والصين، تشكل اهمية كبرى لاميركا. إلا ان المشكلات التي تعترض هذه الجهات الدولية بواشنطن ليست من النوع المستعصي او الخطير الذي يمكن ان يقود الفريقين الى اعتماد خيارات دراماتيكية. فالولايات المتحدة مثلاً لن تذهب الى حد فرض حصار على الصين بسبب خلافها معها على اعادة تقويم قيمة عملتها quot;اليوانquot; وعلى قضايا اقتصادية اخرى. ولن تعقد اجتماعات سريعة وصارمة مع الاوروبيين للضغط عليهم كي يزيدوا حجم موازناتهم الدفاعية، ويلتزموا دعمها في حروبها الراهنة او المستقبلية. فضلاً عن ان كوريا الشمالية رغم التدهور الاخير في العلاقة بينها وبين اميركا وحليفتها كوريا الجنوبية لا تمثّل مشكلة طارئة وحادة تبرر عملاً اميركياً عسكرياً.
طبعاً هناك امور عدة قد يحققها اوباما في المجالات الثلاثة المفصّلة اعلاه. لكنها ستعزز عند الاميركيين اقتناعهم بميله الى التكيّف مع الحوادث ومحاولة حلها سلماً. ولن توفّر له صورة القائد الحازم والمقرر وخصوصاً في مجال السياسة الخارجية. وهو ما يحتاج اليه وما سيحتاج اليه في السنتين الأخيرتين من ولايته الرئاسية.
ما هي القضية الخارجية التي توفّر لأوباما المُسالِم، وصاحب خيارات التكيّف مع المشكلات ومحاولة حلّها بالحوار ومد الأيدي، فرصة الظهور مظهر القائد القوي والحازم؟
لم يبق سوى ايران الاسلامية، يجيب الباحثون الاميركيون الكبار انفسهم. فهي القضية الوحيدة التي تعبىء الرأي العام الاميركي بل quot;تشرقطهquot; او quot;تكهربهquot;. فالجمهوريون صوّروا اوباما ضعيفاً في مواجهة الاسلامية المناضلة والمقاتلة. والديموقراطيون الذين ينتمي اليهم يرون ايران دولة قمعية تنتهك حقوق الانسان. وقد ظهر ذلك ملياً اثناء ضربها الثورة الخضراء التي قام بها quot;الإصلاحيونquot; بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة. وشبه الجزيرة العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، تخاف ايران هذه وتريد من الولايات المتحدة ان تقوم بشيء لازالة خطر هذه الدولة عليها، وعدم الاكتفاء فقط بتزويد دول هذه المنطقة اسلحة توازي قيمتها زهاء 60 مليار دولار اميركي. واسرائيل معادية لايران بطبيعة الحال. والاوروبيون معادون لايران، لكنهم يريدون تجنّب اي تدهور معها وخصوصاً اذا كان عسكرياً، إلاّ اذا انتهى بسرعة وكان ناجحاً ولم يتسبّب بأي ضرر او عرقلة لامدادات النفط. والروس، كما الايرانيون والصينيون، شوكة في الخاصرة الاميركية. لكن أياً من الثلاثة لن يكون عنده خيار اذا قررت اميركا التعامل مع ايران عسكرياً وبسرعة وفاعلية. فضلاً عن ان من شأن ذلك (اي تحييد ايران باضعافها) تحسين الوضع في العراق وتحقيق نقلة مهمة في الوضع السياسي ndash; النفسي داخل افغانستان.
انطلاقاً من العرض المفصّل هذا كله الذي يعتبر ان انقاذ اوباما عهده وتأمين ولاية ثانية له يمران بالاهتمام بالسياسة الخارجية ومعالجة احدى اخطر قضاياها وهي ايران وخطرها على منطقتها وعلى المصالح الاميركية سواء بسبب نظامها quot;الاسلامي التوسعيquot; او بسبب سعيها الحثيث والناجح حتى الآن لامتلاك التكنولوجيا النووية ولاحقاً ربما السلاح النووي، انطلاقاً من كل ذلك فان الاسئلة التي تطرح نفسها كما يطرحها كثيرون كثيرة ابرزها: ماذا يجب ان يفعل اوباما مع ايران؟ وما هي الاخطار او المجازفات التي قد يواجهها في حال كهذه؟ وينبع السؤالان من اقتناع الباحثين الاميركيين الكبار انفسهم ان لا شيء يؤذي الرئيس الاميركي اكثر من فشل عملية عسكرية يقوم بها ضد ايران في تحقيق اهدافها، او اكثر من الإخفاق الذريع عسكرياً لعملية كهذه.
هل من اجوبة عن الاسئلة الثلاثة المطروحة اعلاه؟
التعليقات