أخرجوا أهل مصر من مصر

علي سعد الموسى

الوطن

وإذا أشغلت مصر بحرب الطائفية البغيضة فعلى بقية عالمنا الخاص السلام، فما هو عالمنا العربي والإسلامي دون أهل الكنانة الذين قال عنهم المصطفى: quot;عليكم بأهل الكنانة فإنهم في رباط إلى يوم الدينquot;. لا تطلب قنابل الإرهاب في قلب الكنائس المصرية من مصر إلا شيئا واحدا محددا: أخرجوا أهل مصر من مصر. هذه القنابل العطشى للدماء إنما تزايد على ابن الخطاب وابن العاص وعلى آلاف الصحابة الكرام الفاتحين الذين بذروا جذور التعايش. لا أحد يعرف ـ مصر ـ في كل لغات الدنيا وكل أوراق التاريخ القديم والحديث إلا باسمها الأصل: (Egypt)، خمسة حروف مشتقة من مفردة (القبط). هذه هي مصر التي تعرفها كل الدنيا منذ سبعة آلاف سنة إلى اليوم فماذا تريد قنبلة واحدة تنفجر لثانيتين كي تزيف سبعة آلاف سنة؟ وكل ما يحزنني على مصر وأهل مصر هو ذلك الصمت على مخطط من الجهل والتعصب لا يهدف إلا لاقتلاع الجذور وطرد بعض أغصان مصر من شجرة مصر. كل ما يحزنني أن في عالمنا الإسلامي آلاف المراجع والعلماء مثلما فيه عشرات المؤسسات الدينية التي لم تصدر بيانا حتى اللحظة. كل ما يحزنني أن ذات فضيلة الشيخ المصري أفرغ برنامجه ـ الأشهر ـ المباشر والأكثر انتشارا على كل فضاءات العرب دون أن يعرض لقصة هذه ـ المصر ـ بكلمة واحدة.
ومرة ثالثة، كل ما يحزنني هو هذا الصمت، لأن في صمت أهل الحل والعقد، كما هم يسمون أنفسهم، رسالة بليغة إلى ذات المجرمين ينيرون بها دروبهم في الخطوة القادمة. هذا الصمت المريب ينسى أن المستهدف الحقيقي ليس الكنيسة ولا جثة عشرين قبطيا قتلوا بلا سبب. المستهدف الحقيقي هو هذا الدين العظيم الذي نصادر كل تاريخه الوسطي المتعايش المتسامح بشظايا قنبلة مثلما هو هذا الدين العظيم مستهدف وهو يتصدر نشرات أخبار الدنيا بكل لغاتها وكأنه وراء هذه القنبلة. كل ما يحزنني هو هذا الصمت المطبق حتى من أولئك الذين قرؤوا دون شك رسالة المصطفى الأكرم صلى الله عليه وسلم إلى مسيحيي نجران بكل ما لهذه الرسالة الفريدة وما فيها من مضمون أخلاقي وإنساني أتحدى أن يكتب قبله أو بعده مثلما كان فيها، وعلى طول تاريخ البشرية ولكم أن تعلموا أن هذه الرسالة، كانت أطول رسالة كتبها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فلم يتكلم عنها أحد ولم يحاضر حولها أحد.
يحزنني أن قصة الفاروق مع عبدالله بن عمرو بن العاص هي اليوم مجرد بضع كلمات في جملة شاردة منسية تصادرها قنبلة مريضة لا جملة لديها إلا أن تقول: أخرجوا أهل مصر من مصر.

الوهم المسيحي


فارس بن حزام

الرياض السعودية

لا أظن عاقلاً واحداً يجيز استهداف وقتل الأبرياء مسيحيين ومسلمين وغيرهما، ولكننا في عالم مجنون يصرح بالقتل، بعيداً عن هوية المستهدف.. عامة الجمهور العربي يحاول تفهم القتل البارد في العراق والصومال وباكستان، والأصوات العاقلة لا تجد من ينصت إليها، لأن القاتل يختفي وراء شعارات دينية، يبرر خلالها بشاعة فعله.

والأكثر وجعاً أن عالمنا المجنون لا يدين شعبياً سفك الدماء في المساجد، وهدمها على رؤوس المصلين، في العراق وباكستان لا يمكن أن تحصى حوادث دور العبادة، باكستان على موعد أسبوعي، ففي كل صلاة جمعة هناك انتحاري ينتضر دوره بين الركع السجود، والحال مثله في العراق، وفي تجربتنا المحلية، ما فعله جهيمان في المسجد الحرام وفي ملفات الأمن نجاحات لم تعلن عن إحباط عمليات اغتيال رجال دين في مساجدنا.

واليوم صوت غريب يعلو في المشهد العربي، فبعد حادثة الكنيسة في بغداد، ومن ثم في الاسكندرية، ردد كثير من رجال الدين المسيحيين وبعدهم إعلاميون عرب، من ديانات مختلفة، إسطوانة قديمة عن مشروع إسلامي متطرف لتهجير المسيحيين.

في مصر أكثر من عشرة ملايين مسيحي، وفي العراق عدد محدود أمام الرقم المصري، والقول بالتهجير ضعيف، لا يستند إلى وقائع الأحداث.

فالعراق يشهد تهجيراً مستمراً شاملاً السنة والشيعة من المسلمين، واتبعهم بقية المذاهب والديانات، وبأرقام كبيرة، لذا يمكن رصد ملايين العراقيين، السنة، والشيعة، الذين فروا من بلادهم إلى دول الشام والخليج وأوروبا. وبعد هذا الكم، جاءت الحوادث المسيحية، وبرقم محدود، لا يجعلها في خانة التهجير، رغم الإقرار بمشاعر الكراهية التي يكنها المتطرفون من المسلمين للمسيحيين، ولكنها مشاعر تصيب المعتدلين من المسلمين أيضاً!

مصر أصيبت بثلاثة تفجيرات كبرى في قلب سياحتها (شرم الشيخ)، ومع ذلك استمر المورد الاقتصادي يتدفق بنشاط وبلا أي تأثير، والملايين العشرة من المواطنين المسيحيين لن يروعهم تفجير واحد، أو ثلاثة، لا سمح الله، فهم أبناء بلد، أبناء الصعيد والقاهرة وغيرهما، ولن يدفع الإرهاب، ولا مجرد مئة نفر منهم، إلى الهجرة، لمجرد الخوف من laquo;القاعدةraquo;.

في السعودية دشنت القاعدة عملياتها باستهداف المقيمين الغربيين، ولم تنجح في إبعادهم عن البلاد سقط التنظيم أمام الحكومة والمجتمع، فزاد عدد الرعايا الغربيين.

والحال المسيحي أفضل، والمسيحيون أبناء وطن، والمجتمع والدولة يعترفان بمواطنيتهم، والتاريخ يثبت أن حالات عدة أقسى وأمر لم تؤول إلى تهجيرهم.

التطرف يعاني منه الجميع، ونيرانه تصيب المسلمين قبل غيرهم، والتهجير الذي أصاب مسيحيي لبنان أصاب مسلميه على حد سواء، وأصبح عدد المهاجرين اللبنانيين يفوق المقيمين على أرضه ضعفاً.