ابحثوا عن الخونة

الرياض

** هل ما حدث في كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة الميلادية هو من نوع الصراع العقدي بين مسلمين.. ومسيحيين .. أو أنه يجسد مدى استحكام التعصب الديني إلى هذا الحد ؟!

** أستطيع أن أجزم بأن الأمر ليس بهذه الدرجة من الدقة.. وان ما حدث ndash; بعد أن تكرر حدوثه قبل ذلك في الأقصر.. وطابا.. وشرم الشيخ.. وخان الخليلي.. ومواقع أخرى..- إنما هي مظاهر لأكثر من وجه من وجوه الجريمة السياسية.. والصدام الفكري.. والاختبارات الأمنية.. والضغوط الاقتصادية والسكانية مجتمعة.. لكن من يقف وراء كل هذا.. ويعمل على استثماره.. هي قوى وأطراف خارجية لها مصلحة حقيقية في إلحاق أكبر ضرر بالأمة العربية والإسلامية على حد سواء من خلال التعريض بمصر كقوة عربية كبرى..

** ذلك أن تلك القوى والأطراف الخارجية، وإن وجدت بعض العملاء والأدوات لها في الداخل العربي، إلا انها اختارت مصر بصورة أكثر تحديداً.. واستهدفت وحدتها الوطنية.. وانتقت إحداث فجوة بين المسلمين والمسيحيين فيها بمثل هذه الصورة .. لأنها تدرك ان استهداف رأس مصر بدرجة أساسية كفيل بأن ينهي القضية.. ويجعل الجميع في قبضة العدو أو الأعداء الذين يوحد بينهم هدف واحد.. هو ان الإجهاز علينا كافة.. وتحويلنا إلى (قطعان) سائبة.. والتحكم في مصائرنا.. والسيطرة على مقدراتنا.. وتسخيرنا لخدمة الأهواء. والتوجهات المقبلة في هذا العالم.. يبدأ بضرب مصر.. وتقويض الوحدة الوطنية بها..

** وإذا كان هناك من سيقول إن هذا الكلام يجسد درجة قصوى من الإيمان بنظرية المؤامرة.. فإنني سأقول له.. إذا لم يكن الأمر كذلك.. فماذا سيكون إذاً ؟!

** صحيح أن الكثير من الأوضاع العربية الداخلية ليست على ما يرام.. وصحيح ان الأمة العربية تحتاج إلى إصلاحات جذرية في داخلها.. وصحيح أن ما يحدث قد يعبر عن شيء من الاحتقانات الداخلية التي نتحمل مسؤوليتها نحن..

** لكن الأكثر صحة هو .. ان دولنا.. ومجتمعاتنا ليست بهذه الدرجة من السوء.. سواء من الناحية السياسية.. أو الأمنية.. أو الاجتماعية.. أو الاقتصادية.. وان هناك من الدول والمجتمعات وحتى بعض المتقدمة منها أسوأ منا حالاً في تركيبتها الداخلية.. وفي تكوينها الثقافي أو الاجتماعي أو في أوضاعها السياسية والأمنية.. ومع ذلك فإنها لا تعاني بنفس القدر الذي نعانيه نحن ونتضرر منه..

** والحقيقة أن المشكلة الأساسية .. ليست في أننا دول ومجتمعات مستهدفة فحسب.. ولكن المصيبة الحقيقية تنبع من أننا دول ومجتمعات مخترقة من الداخل.. وأن من بيننا من هو أشد كرهاً لنا وحقداً علينا وتآمراً على مكوناتنا الذاتية من أعداء الخارج سواء أكانوا في منطقتنا أم بعيدين عنا..

** وإذا نحن أردنا أن نعيش بسلام.. فإن علينا أن نعرف من يكون هؤلاء.. وكيف ننظف بلداننا ومجتمعاتنا منهم.. ونستأصل رؤوسهم .. وإلا فإننا سنظل مهددين بنصال الداخل من الخارج إلى أن نسقط تباعاً.

***

ضمير مستتر:

** الخونة .. لهم أكثر من وجه.. وأكثر من ضمير.. وأكثر من لسان.. وأكثر من انتماء.. وعلينا أن نقتلهم من قبل أن يغتالونا

مصر ومخاطر فتنة الإرهاب الكبرى

وحيد هاشم

الجزيرة

بعد تفجيرات مدينة الإسكندرية في دولة مصر الشقيقية التي راح ضحيتها الكثير من أرواح المدنيين الأبرياء بغير وجه حق، لا نملك في الوقت الراهن إلا وأن نتعمق فيما تسعى إلى تحقيقه تنظيمات التطرف والإرهاب في مصر من خلال محاولة جديدة لاختراق العمق المصري الاجتماعي بتفجير فتنة القرن الواحد والعشرين الدينية والمذهبية والطائفية فيها، أسوة بما حدث بالفعل في كل من العراق والسودان واليمن ولبنان.

فتفجير فتنة دينية طائفية في مصر يخدم مصالح أعداء مصر وبالطبع أعداء الأمتين العربية والإسلامية، ويسهم في ضرب مقومات الأمن والاستقرار المصري فيما لو نشبت (لا سمح الله ) تلك الفتنة الكبرى التي باتت وسيلة واضحة من وسائل مخططات تنظيمات التطرف والإرهاب لإضعاف الدول العربية من عمقها الداخلي.

فتنظيم القاعدة ومن يسانده ويؤيده و يتعاطف معه (خصوصا بالتقليد) يسعى مع أعداء الأمة العربية والإسلامية إلى تفعيل سياسة التجزئة ومن ثم التفتيت للدول العربية، تحديدا دول الطوق أو الدول العربية القوية التي تعد من دول المواجهة والصمود في وجه التحديات والمستجدات الاإقليمية والدولية الخطيرة. فعلى ما يبدو حتى الآن من تطورات الأحداث وتوابعها أن تنظيم القاعدة قد تحالف مع القوى التي تسعى لتجزئة وتفتيت العالم العربي إمعانا في إضعافه وتهميشه ليقع لقمة سائغة في أيدي المتطرفين الإرهابيين.

في الماضي القريب حاولت تنظيمات الإرهاب منذ الثمانينيات من القرن الماضي ضرب عمق الأمن والاستقرار في مصر بمختلف وسائل وسبل العمليات الإرهابية الوحشية، ولكن باءت جميع محاولاتها بالفشل الذريع بفعل مشاعر القومية المصرية المتعمقة والمتجذرة في نفوس المصريين منذ القدم، وأيضا بعد أن تكشفت حقائق عمالة التنظيمات الإرهابية للخارج وظهور بشاعة أجندتها المشبوهة.

الحقائق تؤكد أن المصريين عاشوا وتعايشوا في أمن وسلام واستقرار على مدى التاريخ في ذات النسيج التاريخي الاجتماعي المصري (على الرغم من الاختلافات الدينية) الذي لم تتمكن من تعريته عوامل الاختلافات الدينية ولا الثقافية أو الحضارية التي بقيت ثابتة ومندمجة في النسيج القومي المصري ومشاعره الوطنية الجياشة تجاه مصر تدعمها مشاعر الولاء والانتماء للوطن المصري.

من هنا، فإن محاولات جماعات التطرف والارهاب تفجير قنابل الفتنة الكبرى بين المسلمين والاقباط سواء السابقة او الحالية، بل وحتى اللاحقة (لا قدر الله) لا يمكن أن تحقق أهدافها طالما بقي النسيج الاجتماعي المصري التقليدي متماسكا ومتكاتفا في وجه تلك المحاولات التي نجحت حتى الآن في السودان الذي يواجه مخاطر الإنقسام ومن ثم التجزئة والتفتيت. وأيضا إذا ما تمكنت حكومة مصر الشقيقة من احتواء مخاطر الأزمة الحالية بسلاسة وحكمة، ومن ثم معرفة عناصر الطابور الخامس الذي على ما يبدو بدأ بدوره يتحرك لدعم تحركات وسياسات أعداء مصر وشعب مصر مسلمين كانوا أم أقباط، خصوصا من المتطرفين والمتشددين على طرفي البانوراما الدينية الإسلامية والقبطية.

الحقيقة الواضحة حتى الآن أن أعداء مصر وأعداء الأمة العربية يلعبون، بل ويراهنون على وتر الاختلافات الدينية والمذهبية والطائفية في مختلف الأنسجة العربية الاجتماعية والدينية، التي حسب اعتقادهم باتت الوسيلة الوحيدة المتبقية لهم لتحقيق اهدافهم واطماعهم المغرضة.

التاريخ والواقع المصري يؤكدان حتى الآن أن كافة محاولات أختراق مصر من الداخل أو من الخارج باءت بالفشل الذريع بفضل من الله ثم بيقظة وجهود المخلصين من ابناء مصر الحريصين على أمنها واستقرارها وتماسكها.

المشكلة دائما ما تكمن في الهوامش، تحديدا في الطفيليات والطحالب من البشر الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم للشيطان وأصبحوا أداة طيعة في أيدي قوى الباطل والبغي والشر. هؤلاء يدركون تماما أنهم لا يمكن أن يغيروا مجرى التاريخ إلا بالقوة، وبالقوة وحدها سيبقون تحت الأرض في مجاري الصرف الصحي للحاضر والمستقبل.

هاشم عبده هاشم