يوسف الكويليت

حسب الرواية الأمريكية التي تقول إنها رمت ثقلها واعتمادها على (يهود باراك) لكن الرجل الذي عرف كيف يضحك على سلطة الدولة العظمى، لم يكن شخصية مجهولة أو غامضة، بل الرجل، وبكل وضوح صادق مع نفسه ومخلص لبلده، وعملية الفصل السياسي بينه وبين نتنياهو وبقية السلطة الإسرائيلية القائمة تستند إلى فهم وتنسيق في كل السياسات، غير أن أمريكا تقول إنه وعد ولم يف بتغيير قناعات نتنياهو والذي نقل الاتهام إلى باراك أوباما بالتحديد على أنه الرافض لتجميد الاستيطان بالضفة..

يمكن تسويق هذه التصريحات على المبتدئ الجاهل بالسياسة، لكن أن تنطلق من دولة عظمى بخبرائها وخبرتها بالشأن الإسرائيلي والعربي، يؤكد لنا أن مثل هذه المخادعة إضرار بسمعة أمريكا، لأنها أولاً- وقبل أي شيء- تعرف أن إدارة الحكم في إسرائيل لا تؤثر بها شخصية واحدة. إن تلاقي الأهداف في الحكومة الراهنة ودلائل الضعف القاتل للمواقف الأمريكية، واستثمار الجدل الدائر هناك، هي الأسباب الجوهرية التي جعلت يهود باراك يلعب لعبته، بل هناك من وصف اجتماعاته بالرئيس الأمريكي بموقف الأستاذ الإسرائيلي للرئيس الطالب، والأمر لا يتعلق بوعود لأن القضية واضحة، وليس نتنياهو بذلك التنين الذي يخيف زعامة دولة عظمى، وهو الخاضع بكليته للعطايا اللامحدودة من أمريكا التي تمنح أمريكا كل وسائل الضغط إذا أرادت ذلك..

من السهل التبرير وإعطاء المفاهيم المغايرة للواقع كسبب في تعطيل مسار سياسي طالما كان أحد مرتكزات الوعود التي وعد بها الرئيس الأمريكي، ولا ندري من يصدر الأوامر للآخر في قضية تدعي أمريكا أنها من صلب أولوياتها، لتأتي الحقائق بكشوفات أقرب إلى اللعبة على عقول السذج من منطق الدبلوماسية الموضوعية..

لقد راهن العرب على الموقف الأمريكي وأعطوه نسبتهم الشهيرة ٩٩٪ من الحلول ووضعوها بيده، وعاد الأمريكان ليعطوا هذه النسبة ليهود باراك، وبين أرقام النسب، ضاع العرب وضاعت أمريكا، وهنا لا بد أن نؤكد أن إسرائيل تتماثل بالقوة والتأثير، ليس على سياسات المنطقة بل العالم، لكن الحقيقة تعاكس ذلك؛ أي أن الدولة العظمى لها مقاييسها ومعاييرها التي تحكم سياستها العالمية، لكن كل شيء يتصاغر أمام إسرائيل، وهذا الأمر يبنى على سوابق تاريخية جعلت العرب هم الجانب الخاسر، سواء بالاعتماد على أوهام الوعود، أو تبادل الأدوار بين الحليفين اللذين في كل مناسبة يسقطان حقاً فلسطينياً عربياً..

وعدا الأوهام، سواء خدع باراك (باراك)، أو جاءت التصريحات للاستهلاك السياسي، فكلا الدولتين لديهما فهم لمجريات الأحداث، وسواء انتقل الحكم في إسرائيل من المتطرفين إلى المستأنسين، فكلاهما لا يخالف الأهداف الموضوعة سلفاً، والتي أصبحت قاعدة لا يخالفها رئيس الدولة أو رئيس الوزراء، والمخدوع في هذه الحالة، من يصدق أن هناك مشروع سلام يرتبط بأي رئيس أمريكي، لأن القضية تُحكم بإسرائيل وحدها، وعلى العرب فهم هذه الحقيقة وعدم خداع الذات التي جعلت كل وعد يأخذ مجرى التصديق الكامل..