مالك التريكي

غداة إعلان فوز جورج بوش بولاية رئاسية ثانية بعد حصوله على أغلبية الأصوات في انتخابات 2004، طلعت جريدة 'ديلي ميرور' البريطانية بمانشيت ساخر تتساءل فيه: 'كيف يمكن لـ59017382 شخصا أن يكونوا بهذه الحماقة؟'.
نسجا على هذا المنوال، يجوز الآن التساؤل: كيف يمكن لـستين مليون شخص أن يكونوا بهذه الحماقة؟ فقد أظهر استطلاع للرأي العام أجرته شركة 'بيو' للأبحاث قبل حوالي أسبوعين أن 18 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون أن الرئيس باراك أوباما ليس مسيحيا وإنما يدين بدين بالإسلام!
وكان الظن أن هذه الإشاعة التي روجها خصوم أوباما أثناء حملة انتخابات عام 2008 سوف تكون قصيرة العمر لبطلانها وسخافتها. فإذا بالاستطلاع يبين أن نسبة المؤمنين بهذه الإشاعة ليس في تناقص، بل هو في ازدياد! حيث أن نسبة المصرّين على التشبث بالأساطير، رغم كثرة الأدلة على الحقائق ورغم إلمام العالم أجمع بكل تفاصيل سيرة أوباما، قد ارتفعت من 12 بالمئة قبل عامين إلى 18 بالمئة اليوم.
ومعروف أن أوساط غلاة اليمين قد أخذت، أثناء حملة انتخابات 2008، في ترويج أساطير بأن مرشح الحزب الديمقراطي يدين بالإسلام... بدليل اسمه الأوسط: باراك 'حسين' أوباما (الذي يحيل إلى اسم جده). أي أنه لا يكفي أن باراك هو ضمير 'مسلم' مستتر تقديره ح. (بلغة الإعراب النحوي)، بل الأدهى أنه سميّ للعدو الأكبر، صدام حسين، الذي فرض حصارا اقتصاديا طويلا ظالما على الولايات المتحدة لإنهاكها وخنقها، وبعد أن تم له ذلك جرّد جيوشا جرارة لغزوها طمعا في نفط ألاسكا وتكساس! أما الدليل الآخر على أن أوباما مسلم، على المذهب الباطني، فهو إقامته في أندونيسيا زمن الطفولة. وقد كان من المفترض منطقيا، في دولة ديمقراطية لا قيد فيها على حرية الإعلام، أن أباطيل من هذا القبيل لا يمكن أن تنطلي على أحد ولا يمكن أن تؤخذ مأخذ الجد وأن السياق الانتخابي لوحده كفيل بإفهام حتى من لا يريد أن يفهم أن هذه مجرد بروباغاندا من إخراج خصوم أوباما السياسيين والإيديولوجيين. ولهذا فقد كتبنا آنذاك في 'القدس العربي'، في سياق الحديث عن شدة إعجاب أوباما بالرئيس أبرهام لنكولن (الذي حرر السود من الرق في ستينيات القرن التاسع عشر)، بأننا 'لن نستغرب لو قرأنا يوما أن أحد المهووسين قال إن سبب ولع 'حسين' أوباما بـ'إبراهيم' لنكولن هو أن الأخير كان مسلما يخفي إسلامه!'
ولا شك أن مما ساعد على تكاثر هؤلاء المهووسين أن الإعلام الإذاعي والتلفزيوني في الولايات المتحدة يحفل بصحافيين ومذيعين يمينيين متعصبين من أمثال المذيع الشهير راش ليمبوغ الذي يسمي رئيس الولايات المتحدة 'الإمام أوباما' ويصفه بأنه 'أول رئيس أمريكي مسلم'، أو القس الإنجيلي فرانكلين غريهام الذي يعتقد أن 'مشكلة الرئيس أنه ولد مسلما...(بحكم أن) والده كان مسلما. فبذرة الإسلام تأتي من جهة الأب، تماما كما أن بذرة اليهودية تأتي من جهة الأم' (...) إن تعاليم الإسلام تحض على بغض اليهود والنصارى وعلى قتلهم. فغاية المسلمين هي الهيمنة على العالم'. ولا شك أيضا أن لتزايد أعداد المعتقدين بأن أوباما مسلم، رغم أن الرجل مسيحي ملتزم ومواظب على قراءة الإنجيل، علاقة بموقفه المؤيد لمشروع بناء مسجد ومركز إسلامي غير بعيد من موقع مركز التجارة العالمي الذي تعرض قبل تسعة أعوام لهجوم لا يمكن لكثير من الأمريكيين نسيان أن الذين نفذوه كانوا من 'المسلمين'.
حتى زمن قريب كان بعض الأمريكيين البروتستانت يتوجسون من الأقلية الكاثوليكية لأنهم كانوا يعتقدون أن ولاء الكاثوليك هو للفاتيكان، ولهذا فإنهم لا يمكن أن يكونوا مواطنين أمريكيين صالحين مخلصين. وقد عبرت المعلقة مورين داود عن ذلك بالقول إنه 'مثلما كان بعض الأمريكيين يخافون أن يقوم الرئيس جون فتزجرالد كندي (الذي كان كاثوليكيا) بشق نفق إلى روما، فإن بعضهم يخاف الآن أن يقوم باراك حسين أوباما (الذي يقع اسمه في الأسماع موقعا مثيرا للهلع) بشق نفق إلى مكة'.
مكة التي حلت محل موسكو عندما اقترح حكماء القوم على بوش أن يهاجمها بالسلاح النووي اختصارا للطريق إلى السلام العالمي!