داود البصري

الأيام المقبلة في العراق ستكون ساخنة وبركانية بعد عودة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر
هل يمكن إعتبار العودة السريعة والمفاجئة لزعيم raquo;التيار الصدريlaquo; مقتدى الصدر لمعقله النجفي قبل أيام بمثابة التحدي الحقيقي لكل المبادئ والشعارات المعلنة لدولة القانون المالكية التي اكتسبت تسميتها ووهجها وإنجازها الذي تفتخر به من خلال القضاء على حالات ومظاهر التسيب والانفلات الأمني, ومن ثم القضاء على العصابات والميليشيات الفوضوية في الشارع العراقي والتي يعتبر raquo;جيش المهديlaquo; أبرز صنوفها وأشكالها في الساحة العراقية? فهذا الجيش الفوضوي يضم عتاة المجرمين والفوضويين والقتلة والطائفيين, وكان أحد أطراف الحرب الاهلية الطائفية الرهيبة التي نشبت في العراق قبل أربعة أعوام, وأدت نتائجها إلى خسائر بشرية مهولة وخلق حواجز نفسية مرهقة بين العراقيين, ونوري المالكي كان يفتخر علنا بأن نجاحه الحكومي لم يتأت إلا من خلال القضاء على تلك العصابات والتصدي لها, ولكن متغيرات اللعبة السياسية العراقية والمزاج الشعبي العام أفرزا في النهاية تناقضات ومفاجآت عجيبة كانت قمتها مع النصر الانتخابي الكبير الذي حققه أتباع مقتدى الصدر raquo;وجيش المهديlaquo; في الانتخابات الأخيرة في مارس الماضي مما أعطاهم أربعين مقعدا برلمانيا جعلهم في صدارة قوى التحالف الشيعية, وبما حتم في النهاية وبحكم الضرورة وطبائع الأمور وأصول اللعبة السياسية اعتبار زعيم ذلك التيار الذي كان هاربا لإيران بناء على نصيحة إيرانية سابقة لاعبا رئيسا وفاعلا, بل صانع ملوك في عراق الطوائف والملل والنحل القائم حاليا, وهي مسألة محرجة وتمثل تحديا حقيقيا لسمعة ومصداقية الحكومة العراقية الراهنة التي لم تكتمل تشكيلتها النهائية بعد بسبب الصراع المحتدم على المناصب الأمنية والسيادية الحساسة في raquo;الداخليةlaquo; وraquo;الدفاعlaquo; وجهاز المخابرات وبقية التشكيلات الأمنية.
يأتي التحدي الأكبر والحقيقي من خلال الملف الحاضر الغائب والدائم, وهو ملف جريمة قتل السيد عبد المجيد الخوئي الزعيم الشيعي المعروف في مدينة النجف في التاسع من إبريل عام 2003 ومسؤولية مقتدى الصدر المباشرة عنها كما تؤكد مذكرة إلقاء القبض الحكومية الرسمية الصادرة في أغسطس عام 2003 والتي لم يتم تنفيذها أبدا, بل على العكس كوفئ مرتكب الجريمة أو المثارة حوله الشبهات وتحول رقما سياسيا وحتى مذهبي صعب, بل مقدس! رغم أن كل عناصر الاتهام والإدانة مازالت حية تسعى تظهر لسانها لأهل دولة القانون الذي بات وجود واستمرار حكومتهم يعتمد على طلب ود ومساندة raquo;التيار الصدريlaquo; وزعيمه المطلوب للعدالة, إنها بالفعل ورطة سياسية وأمنية ونفسية كبرى تواجه نوري المالكي شخصيا الذي كان في عام 2006 يسعى سعيا حثيثا الى احضار وجلب مقتدى الصدر للمحاكمة, فإذا به اليوم يحاول الالتفاف الواضح على مذكرة إلقاء القبض, بل ويطلق سراح القتلة والمجرمين والإرهابيين من raquo;جيش المهديlaquo; كجزء من مساومات كثيرة ويوليهم أيضا المناصب الأمنية والحساسة في إدارة الدولة العراقية. وهي ورطة لا نتمناها لأحد بمختلف المقاييس, فكيف سيستطيع المالكي وأركان حكومته لحس كل تعهداتهم السابقة? وكيف يتخلصون من الحصانة المقدسة التي أحاط مقتدى الصدر نفسه بها, وهو يعود لقلعته النجفية الحصينة ويتخذ من داره هناك ومن مرقد والده الضخم المحاذي للمرقد العلوي كمركز للعمليات والقيادة الصدرية الخاصة, حتى بات يوجه الخطابات للشعب العراقي! في زعامة شعبية لن يرتاح لها المالكي أبدا وهو الحريص, بل المريض في حرصه على أن يكون raquo;بطل الفيلم الأوحدlaquo;! ووحش الشاشة العراقية الوحيد, بل وفتى الشاشة الأول, في ما تحصن مقتدى الصدر في قلعته الحصينة بعد عودته من قم ليكون مرجعا سياسيا مقدسا لا تتناوله الانتقادات, وعصيا على التطويع فضلا عن المساءلة القانونية التي تحولت مهزلة حقيقية! لأن من يريد اليوم الوصول الى مقتدى الصدر وجلبه للمحاكمة أو التحقيق فإنه سيتسبب لا محالة في حرب أهلية داخلية طاحنة ستكون لها الكثير من التداعيات التي ستمتد الى خارج العراق أيضا, الوضع على كف عفريت, وقد نجحت المخابرات الإيرانية فعلا نجاحا مذهلا في خلق مراكز قوى شيعية تمارس عملية الضد النوعي, وبما من شأنه أن يعرقل حركة نوري المالكي, بل وتشله بالكامل أمام الزعامة الطائفية الجديدة المطلوبة للعدالة والتي تظهر لسانها سخرية وإستهزاء, بشعارات دولة القانون التي ذهبت مع الريح? الأيام المقبلة في العراق ستكون ساخنة, بل بركانية, وانتظرونا في محطتنا المقبلة حول أسرار العودة المفاجئة لمقتدى الصدر.. العراق أمام فوهات براكين هائلة.