عبدالرحمن الراشد

فجأة ثارت في تونس من سيدي بوسعيد إلى غربها حيث تالة والقصرين، إلى شرق الجزائر حيث تجلابين والحجلة، حرائق وعشرات القتلى ومئات الإصابات. مثل أحجار الدومينو تساقطت، فهل نحن بصدد فيروس الفوضى الاحتجاجية تنتقل وراء الحدود، كالعاصفة بعد الهدوء الطويل. في الخمسينات شاعت نظرية laquo;تأثير الدومينوraquo; وتقول إن الأفكار والأحداث تنتقل، وبسببها تتساقط الدول المتجاورة تباعا مثل تساقط أحجار الدومينو، قيل ذلك في تبرير محاصرة الشيوعيين في جنوب شرقي آسيا حتى لا يتجاوزوا من فيتنام الشمالية إلى الجنوبية وحتى إندونيسيا.
هل انكسر حاجز الخوف؟ يبدو لي أن هذا هو الاستنتاج الأهم. لم ترفع أفكار، ولا دعوات تغيير حتى الآن، كلها مطالب وظائف وضد رفع أسعار الزيت والسكر، لكن الحاجز النفسي الذي منع الاحتجاج ربما أزيل. فتونس تكاد تكون أكثر بلدان المنطقة استقرارا لنحو عشرين عاما، والجزائر عاشت حرب مواجهة وحيدة كانت ضد الإرهاب اشترك فيها الشارع إلى جانب الحكومة، لنحو عقد ونصف. الآن، وبعد أن عاشت أكثر من 17 مدينة مواجهات متسلسلة، كيف يمكن وقف الطوفان الذي بدأ منذ أكثر من شهر وامتد من تونس إلى الجزائر؟
تونس اعترفت بوجود مشكلة بطالة، ولإرضاء المحتجين تعهدت بتوظيف ثلائمائة ألف عاطل عن العمل، وأقرت بأنها احتجاجات مشروعة لكن العنف غير مبرر. أما الجزائر فاعتبرتها مؤامرة دون تقديم الدليل، وربما هي هنا تتهم الجماعات الأصولية المتطرفة التي سبق أن عاثت في البلاد قتلا وحرقا. وسارعت إلى تقديم الوعود لحل البطالة وأعلنت الحكومة تراجعها عن رفع أسعار زيت الطعام والسكر.
وقد تكون الحكومتان صادقتين باتهام المعارضة المحظورة، وحتى تورط أطراف خارجية، أو التحريض الإعلامي، وهي احتمالات قائمة في حالات العصيان الواسعة والمستمرة، إلا أنه من الخطأ اختصار المشكلة بإلقاء التهم على الغير. فالذين يريدون استغلال الأزمات موجودون في كل مكان، وكل أزمة، إنما لا يمكن أن يكونوا المحرك الحقيقي أو الوحيد. وكل ما يفعله إنكار الأسباب الحقيقية، ودفن الرؤوس في الرمل أنه يطيل الأزمة ويعقدها.
إذا كانت تونس ذات الآلة الأمنية المدججة فشلت في منع التمرد واضطرت إلى استخدام الذخيرة الحية، وإذا كانت الجزائر ذات الفائض المالي الهائل انكشفت في الاحتجاجات الواسعة التي أجبرتها على التراجع، فهذا يوحي بأن نموذجي الحكم الشائعين في العالم العربي، الأمني والمالي، قد فشلا في المواجهة مع الشارع. وعسى أن تكون جميع الحكومات العربية تراقب بعيون واسعة ما يحدث في تونس والجزائر، وعساها أن تتعلم من أحداث البلدين لأننا نعيش في نفس الظروف تقريبا وفي نفس المكان. إن الكثير مما يحول دون الاحتجاج والعصيان هو الحاجز النفسي ليس إلا، وعندما تخرج إلى الشارع ثلة فهي في حقيقة الأمر تكون امتحنت نفسيات الصامتين أكثر من كونها تمتحن النظام وآلياته. فالرئيس التونسي منح كل ما يستطيع من وعود لإنهاء العصيان، والجزائر تراجعت عن قراراتها التسعيرية؛ لكن الحاجز النفسي قد كسر.