داود البصري
تصاعدت عمليات الاغتيال بكواتم الصوت في العاصمة العراقية اخيراً ضد عناصر أمنية في الحكومة العراقية الى حد اصبح فيه أكثر من ظاهرة مقلقة لكونها قد اتخذت خطاً تصعيدياً جديداً بعد أن غابت عن الشارع العراقي ظاهرة الميليشيات المسلحة التي سكن بعضها ودخل في مرحلة السبات وانتظار فرصة آتية متاحة قد تبرز وتتطور تبعا لتطور الأحداث, وبين أخرى هي اليوم في حالة ترقب كجماعة quot;جيش المهديquot; أو بقية الجماعات الأصولية وحتى البعثية من خلال جماعة quot;جيش الطريقة النقشبنديةquot; الموالية لعزة الدوري, أو غيرها من المفاجآت المقبلة في ظل تزاحم الملفات والأجندات , وقد أضاف الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية والمتطلع الى وزارتها اللواء أركان حرب عدنان الأسدي تفسيرا عجيبا لظاهرة الاغتيالات باتهامه العلني للنظام الإيراني والmacr;raquo;موسادlaquo; الإسرائيلي بالوقوف خلف تلك الاغتيالات الغامضة والتي تستهدف الضباط والعسكريين ورجال المؤسسة الاستخبارية, خصوصا وأن الأسدي وهو أحد قياديي الصف الثاني في حزب quot;الدعوةquot; له من العلاقات الخاصة جدا بإيران ما يجعل ذلك الاتهام العلني لأجهزة النظام الإيراني بمثابة مفاجأة حقيقية, لأنه وللمرة الاولى يستبعد البعثيون من قائمة المتهمين مع أنهم كتنظيم سري خطير وفاعل لهم ملف تاريخي حافل في هذا النوع من العمليات السرية والاستنزافية فهم الخبراء الأوائل في عمليات الاغتيال بكواتم الصوت وإدارة فرقها ولهم في التاريخ العراقي المعاصر quot;إنجازاتquot; واضحة مسجلة بإسمهم سواء من خلال خصومهم العقائديين أو حتى منافسيهم في الداخل من البعثيين أنفسهم! وقد امتدت أياديهم الطويلة وquot;بركاتهمquot; الإرهابية الى دول الجوار أيضا وحتى للدول البعيدة فهم لايقارعون أبداً في هذا المجال, ولعل أكبر فترة اغتيالات عاشها العراق في التاريخ المعاصر كانت في الأعوام التي أعقبت عام 1959 حينما استعمل البعثيون سلاح quot;الشقاواتquot; أو quot;البلطجيةquot; وquot;السرسريةquot; في الشارع العراق لشن حملات كبرى من الاغتيالات ضد خصومهم الشيوعيين أرعبت الشارع العراقي حتى تاريخ إنقلابهم الأسود الكبير في 8 فبراير 1963 ضد نظام اللواء عبد الكريم قاسم والذي بدأ فعليا عبر اغتيال العميد جلال الأوقاتي قائد القوة الجوية العراقية صبيحة ذلك اليوم قبل أن تنطلق طائرات ودبابات الانقلابيين لحصد أرواح الناس , ثم جاء تنظيم quot;حنينquot; السري الإرهابي البعثي الذي كان بقيادة صدام حسين الذي استعمل سلاح الإرهاب ووسيلة الاغتيال كمقدمة للهيمنة على السلطة عام 1968 وقيام عصر الإرهاب الأكبر في العراق الذي امتد حتى عام 2003 والاحتلال الأميركي والذي حفل بمتغيرات عجيبة تغيرت من خلالها الأدوات وظهر النظام الإيراني على المسرح ليستخدم وسائله وأدواته المعروفة ومنها الأحزاب الدينية والطائفية العراقية المرتبطة به خصوصا وأن تلك التنظيمات كانت متورطة في ثمانينيات القرن الماضي بإدارة ملفات الإرهاب في العراق والمنطقة ومنها إسلوب الاغتيال وهو ما كان يفعله أهل حزب quot;الدعوةquot; الحاكم حاليا!
وتاريخ النشاط الإرهابي المختلط بالرؤى السياسية واسع جدا في العراق والشرق الأوسط عموما, فكانت ظاهرة اغتيالات العلماء والكفاءات العراقية التي أدارها جهاز الmacr;raquo;موسادlaquo; الإسرائيلي وجهاز المخابرات الإيراني أيضا , وكانت ظاهرة اغتيال الضباط والطيارين العراقيين الذين شاركوا في الحرب الماراثونية ( 1980/1988 ) وهي المهمة التي نفذتها العصابات العراقية التي تسيرها أجهزة مخابرات الحرس الثوري الإيراني والتي لاتزال مستمرة بوتائر ووسائل مختلفة, ثم تطور الموقف الداخلي لتنشق عن الأحزاب الطائفية العراقية جماعات إرهابية تمارس إرهابا منفلتا شمل خصومها الفكريين والسياسيين ومنهم عصائب أهل الحق المنشقة عن قيادة مقتدى الصدر في جيش المهدي وهذه الجماعة مدعومة علنا من إيران وتمارس نشاطاتها بفاعلية لكون عناصرها في ظل التوليفة الطائفية والعشائرية المتخلفة السائدة في السلطة مندسة في أجهزة الدولة العراقية التعبانة والمخترقة بل والساقطة فعليا تحت سطوة أهل الولاء الإيراني خصوصا من دون أن ننسى أن للبعثيين طواقمهم السرية والجاهزة وبعضها يرفع رياء الراية الطائفية لكي يبعد عنه الشبهة , فالأحزاب الشيعية مخترقة طوليا وعرضيا والبعثيون بخبرتهم الاستخبارية الطويلة يمتلكون عيوناً وأيدي أيضا على مستوى القرار في أحزاب السلطة الدينية والطائفية.
نعم إن الاتهامات التي وجهها الأسدي حقيقية وصريحة فالmacr;raquo;موسادlaquo; الإسرائيلي له دور واضح ومفيد للدولة الإسرائيلية في هذا الملف , ولكن الغطاء الأكبر والتمويل المباشر لعمليات الإرهاب الكبرى وتسريب الأسلحة وإعداد الكوادر والتدريب وخطط الاغتيال تتم مباشرة من خلال أجهزة المخابرات الإيرانية التي تهيمن على عصابات جيش المهدي وفيلق بدر والمجاميع الخاصة ومنها عصائب أهل الحق وحتى تنظيمات المتطرفين الأصوليين الأخرى كالقاعدة وجيوش الصحابة وغيرها, أما البعثيون فحكايتهم مختلفة بالكامل! ليس مهما توجيه الاتهامات الطائرة ضد أطراف محددة بعينها بعضها مفضوح وبعضها مندس ولكن ماهو مهم فعلا ماهي الأجراءات السلطوية لإيقاف ذلك النزيف ? فهل سيتمكن عدنان الأسدي من قطع رأس الأفعى الإيرانية وايدي أدواتها في العراق, رغم تحالف حزبه الصميمي مع النظام الإيراني, وهل تمتلك السلطة العراقية المرقعة إمكانيات التصدي لجهاز الmacr;raquo;موسادlaquo; والرد بعمليات نوعية ضد المصالح الأمنية الإسرائيلية? أسئلة كبيرة وضخمة لن يستطيع الصغار أبدا الإجابة عليها... فما يحصل في العراق هو حرب إرادات دولية ساخنة قررت أن تجعل العراق قطعة من الجحيم في الشرق ألأوسط... تلك هي الحقيقة فقط لاغير وما عدا ذلك مجرد لغو وتخريف في أوراق
التعليقات