سعد محيو

في حزيران/يونيو العام ،2006 وفيما كانت الحرب ldquo;الإسرائيليةrdquo; التدميرية على قدم وساق في لبنان، فاجأت كوندوليزا رايس العالم بإعلانها من تل أبيب أن هذه الحرب هي ldquo;آلام مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديدrdquo; .

وفي العام ،1908 عقد مركز أبحاث أمريكي بارز مؤتمراً تبين لاحقاً أنه كان تاريخياً، طُرح فيه السؤال التالي: هل ثمة أي وسيلة أخرى عدا الحرب لتغيير حياة شعب برمته؟ وجاء الجواب سريعاً: ليس هناك وسيلة أكثر فعالية من الحرب لتحقيق هذا الهدف في تاريخ البشرية .

هذان الحدثان اللذان يفصل بينهما نحو 100 عام، يشيان بأن الخرائط الجديدة للشرق الأوسط الجديد، لن تولد في الغالب إلا في أتون الحرب .

لكن هنا سيتبين الفارق التنفيذي بين خريطة مارك سايكس في أوائل القرن العشرين وخريطة رالف بيترز في أوائل القرن الحادي والعشرين، إذ إن مهمة الأول كانت أسهل لأن مبضعه التقسيمي كان يعمل فيما الحرب العالمية الأولى تُشعل العالم بأسره، فتحطم امبراطوريات عملاقة (العثمانية، والنمسوية- المجرية، والروسية)، وتمسحها عن الخريطة . هذا في حين أن الثاني مُضطر لأن يستخدم مبضعه بالتدريج وخطوة خطوة على الطريقة الكيسنجرية .

هذا على ما يبدو ما بدأ يحدث منذ العام 2001: حرب أفغانستان أولاً وبعدها حرب العراق، اللتان أدتا إلى قسمة فعلية لهذين البلدين، وحرب لبنان 2006 التي كان يفترض أن تُسفر عن نتائج مماثلة لولا تعثرها المفاجئ . ثم سلسلة الحروب الداخلية مرتفعة ومنخفضة الوتيرة في اليمن والسودان والعديد من البلدان العربية الأخرى .

هذا هو التطبيق الفعلي لمبدأ ldquo;الفوضى الخلاقةrdquo; الذي تبنته إدارة بوش منذ أوائل العام ،2000 والذي لا يبدو أن إدارة أوباما تخلت عنه، بدليل ما يجري الآن من زلزال في السودان، واضطرابات طائفية في العراق ومصر، وابتلاعات استيطانية جديدة في القدس والضفة، وعودة أناشيد الحرب ضد لبنان وسوريا وغزة وربما إيران .

نعود الآن إلى السؤال الذي طرحناه بالأمس: هل ينجح هذا المخطط الجديد؟

الكثيرون بعد القرار الأمريكي بالانسحاب من العراق وأفغانستان، بما في ذلك قادة سوريا وإيران، اعتقدوا (وأعلنوا هذا الاعتقاد) بأنهم نجحوا في وقفه، وأن إدارة أوباما ستكون هي الطرف الذي سيضع هذا المشروع الكبير والطموح في خزانة المحفوظات ويُغلق عليه الباب بإحكام . كما أنهم مدوا هذه النزعة الاحتفالية إلى ldquo;إسرائيلrdquo; ليعلنوا بداية نهاية هذا الكيان .

لكن يتبين الآن مدى تسرع هذا الافتراض الاحتفالي .

صحيح أن أمريكا أصيبت بنكسات، لكن هذه ليست الهزيمة . وصحيح أن حدود القوة ldquo;الإسرائيليةrdquo; انكشفت، لكن هذه ليست نهاية الكيان الصهيوني . فكلا هذين الطرفين اللذين يُشكلان دينامو ولب مشروع الشرق الأوسط الجديد، يواصلان تحقيق الإنجاز تلو الإنجاز: من تقسيم السودان وتفتيت اليمن كتمهيد لتقويض استقرار وادي النيل وحوض البحر الأحمر وشبه الجزيرة العربية ، إلى إشعال اللغم الكردي في هضبتي الأناضول وفارس، مروراً بتفجير الصراعات في لبنان وفلسطين وإيران ودول المغرب العربي .

بالطبع، ثمة قوى عربية وإسلامية ستتصدى لهذا المشروع عبر ثنائي الممانعة والمقاومة . لكن الخطر هنا أن الطرف الذي يُفترض أن يكون الأكثر فاعلية في هذا التصدي، قد يكون من دون أن يدري الحليف الأهم للمشروع الأمريكي- ldquo;الإسرائيليrdquo; .

من هو هذا الطرف؟