رسم بياني يظهر نتيجة الاستفتاء |
في مواجهة تصاعد العنف ضد مسيحيي الشرق الأوسط الذي بدأ يأخذ منحى خطيراً اثر انتقاله من العراق إلى مصر فقد أبدى قراء "إيلاف" المشاركون في استفتائها الاسبوعي تعاطفاً ملحوظاً مع هذا المكون الاساسي في المنطقة مؤكدين ضرورة العمل من أجل المزيد من مشاركتهم السياسية وحمايتهم الأمنية إضافة الى توسيع مفاهيم التعايش السلمي بين مواطني المنطقة.
تأتي دعوة لحماية المسيحيين والتعاطف مع محنتهم وهم يتعرضون لأبشع هجمة عنف إدراكا من القرّاء لأهمية استمرار هذا المكون الديني والاجتماعي في الاندماج والتعايش بسلام في دول المنطقة التي يشكلون النواة في بعضها وحيث يزيد عددهم حاليا على 20 مليون نسمة لم تعرف عنهم ممارسات ضد بلدانهم أو مجتمعاتهم. فعلى العكس من ذلك، ظل مسيحيو المنطقة ومنذ قرون عدة، يتعايشون مع محيطهم بأمن وسلام لهم حقوق وواجبات مثل بقية مواطنيهم.
لكن تصاعد التطرف والعنف الاعمى الذي بدأ يتحرك خلال السنوات الاخيرة لضرب وحدة وتعايش شعوب بلدان المنطقة وجد في المسيحيين الحلقة الاضعف التي يمكن من خلالها استهداف هذه الشعوب في حملة غذتها ممارسات عنصرية ايضا ولكن ضد المسلمين في بعض البلدان الاوروبية، الامر الذي منح الإرهاب ذرائع لممارساته هذه.
وقد أدى كل ذلك بعدد كبير من مسيحيي الشرق الاوسط ونتيجة لتعرضهم للعنف والعدوان ولأسباب بينها النزاعات وعدم الاستقرار السياسي والصعوبات الاقتصادية والتمييز والاضطهاد وتنامي الاسلام المتشدد بالهجرة عن بلدانهم تشجعهم في ذلك تسهيلات أبدتها دول أوروبية لاستقبالهم ومنحهم لجوءًا انسانيا أوسياسيا.
ومن الواضح أن قرّاء quot;إيلافquot; الذين شاركوا في استفتائها حول متطلبات الحفاظ على المسيحيين في المنطقة قد عبروا عن تمسكهم بالمكون المسيحي وضرورة توفير مستلزمات بقائهم في بلدانهم وعدم هجرتها الى المجهول.. ولذلك فقد رأى 6706 قراء من بين 7547 شاركوا في الاستفتاء وشكلت نسبتهم اكثر من 88 بالمائة من المساهمين انه من الأهمية الحفاظ على المسيحيين واستمرار بقائهم ضمن مجتمعاتهم وذلك عبر إجراءات مطلوبة يتقدمها توسيع نشر مفاهيم التعايش السلمي وتوفير الحماية لهم وتوسيع مشاركتهم السياسية في شؤون بلدانهم.
نشر مفاهيم التعايش السلمي
واحتلت المطالبة بتوسيع مفاهيم التعايش السلمي بين مواطني مجتمعات الشرق الاوسط في مقدمة المطالب التي عبر عنها القراء والتي دعا اليها 2169 قارئا شكلت نسبتهم 28.74 بالمائة من المصوتين.
ومن المؤكد ان هذه الدعوة لو تحققت فإنها ستزيد من تمسك شعوب المنطقة بالتعايش في ما بينها بأمن وسلام يقضي على أي محاولات للتفرقة بين ابناء الوطن الواحد على اساس الدين او المذهب او القومية. ومثل هذا التعايش السلمي سيستطيع ضرب أي محاولات لشق الوحدة الوطنية لشعوب المنطقة ويجعلها أكثر تحصنا ورفضا للإرهاب والعنف والتفرقة التي تستهدف لحمة هذه الشعوب وتعايشها.
وفي هذا الاطار، أعلن شيخ الأزهر أحمد الطيب أمس عن إنشاء لجنة اطلق عليها اسم quot;بيت العائلة المصريةquot; ستضم quot;الفضلاء والعقلاء من الازهر والكنيسة وستجتمع اسبوعياquot; اعتبارا من الاسبوع المقبل. واضاف ان هذه اللجنة quot;ستوجه حديثها للمصريين من اجل توضيح سماحة الاسلام تجاه اصحاب الديانات الاخرى، وكذلك توضيح سماحة المسيحية، وستناقش في تلك اللجنة الأمور التي تعمل على التوتر وستدرس الحلول التي تزيل التوترات وترفعها الى ولي الامرquot;.
وفي أعياد الميلاد الاخيرة صلى البابا بنديكتوس السادس عشر من اجل السلام في الشرق الاوسط معبرا عن الامل في أن يحمل عيد الميلاد السلوى للمسيحيين في العراق والشرق الاوسط. ودعا بنديكتوس الرب ان quot; يمنح المثابرة لكل الطوائف المسيحية التي تواجه التمييز والاضطهاد وتلهم الزعماء السياسيين والدينيين بأن يكونوا ملتزمين بالاحترام الكامل للحرية الدينية للجميع.quot;
ومن جانبهم دعا قادة المسلمين في مصر الى الوحدة ووصف شيخ الأزهر أحمد الطيب الهجوم على كنيسة القديسين في الاسكندرية في مصر السبت بأنه quot;جريمة نكراءquot; كما أدانه رئيس مجلس الشعب فتحي سرور ورئيس مجلس الشورى صفوت الشريف. كما دعا مفتى الديار المصرية المصريين إلى quot;التكاتف والوحدة والتآلف لمواجهة هؤلاء العابثين بأمن مصر ووحدة شعبها.quot;
واكد أن الهجوم محاولة quot;لإشعال نار الفتنة بين أبناء هذا الوطن.quot; وقالت وزارة الأوقاف المصرية إن أي اعتداء على الكنائس quot;يعد اعتداء على المساجد.quot; كما رفضت الاعتداء جماعة (الاخوان المسلمين) وقال محمد الكتاتني العضو البارز في الجماعة quot;هناك أشخاص يريدون أن يكون هذا البلد غير مستقر.. كل الأصابع تشير الى أن هناك ايدي خارجية وراء هذا الحادث.quot;
وفي مدينة بيت لحم الفلسطينية قال البطريرك طوال في عظته بأعياد الميلاد quot;امنية العيد ان ترتفع دقات اجراس الكنائس فتغطي بألحانها صوت البنادق والرشاشات وآلات الموت في شرقنا الاوسط الجريحquot;. واضاف quot;أمنيتنا في هذا العيد وفي مطلع السنة الجديدة ان تصبح القدس الشريف ليس فقط عاصمة لدولتين (اسرائيلية وفلسطينية) وانما ايضا نموذجا حضاريا لعيش مشترك بين الأديان الثلاثة على أساس التسامح والاحترام المتبادل والحوار البناءquot;.
توسيع المشاركة السياسية للمسيحيين
أما دعوة القراء الى توسيع مشاركة مسيحيي الشرق الاوسط في شؤون بلدانهم سياسيا كأحد الشروط المطلوبة لحمايتهم فقد جاءت في المرتبة الثانية من المطلوب في هذا الاتجاه حيث صوت لتوسيع هذه المشاركة 520 قارئا شكلت نسبتهم 6.89 بالمائة من المساهمين بالاستفتاء.
ومن الواضح ان هذه النسبة من القراء غير راضية عن حجم مشاركة مسيحيي الشرق الاوسط في تسيير شؤون بلدانهم والمشاركة في القرارات التي تتعلق بمصيرها رغم بعض الإجراءات المتخذة لتحقيق هذه المشاركة في بعض دول المنطقة. فلا تزال نسبة مشاركة المسيحيين في حكومات بلدان مثل العراق ومصر وسوريا وفلسطين قليلة لا تتعدى الوزير او الاثنين وان كان في لبنان اكثر من ذلك.
الحماية الأمنية
ورغم تعرض المسيحيين في اكثر من بلد شرق اوسطي للاعتداء يبدو ان نسبة الداعين لتشديد الحماية الامنية لهم قليلة ويمكن ارجاع السبب الى الاجراءات الامنية المتخذة فعلا في اكثر من بلد لحمايتهم. وقد صوت لصالح توفير الامن للمسيحيين 247 قارئا شكلوا نسبة 3.27 بالمائة من المصوتين وهو عدد قليل بالنسبة للدعوة الى نشر مفاهيم التعايش السلمي وتوسيع المشاركة السياسية.
وفي هذا الاطار وخوفا من المزيد من إراقة الدماء، حثّ العديد من قادة الكنائس في مدن عراقية مثل بغداد التي ما زالت تشهد هجمات بشكل شبه يومي المسيحيين على التزام الهدوء وعدم المبالغة في احتفالاتهم هذا العام وقصرها على الصلوات والقداس.
وأدى التهديد بشن المزيد من الهجمات بقوات الأمن العراقية إلى إقامة جدران خرسانية عالية واقية من الانفجارات تعلوها الأسلاك الشائكة حول العديد من الكنائس في العاصمة العراقية. وحث نائب وزير الداخلية العراقي حسين كمال الدول العربية على التعاون في مكافحة الارهاب والمساعدة في منع متشددين عرب من التدرب في العراق ثم العودة الى بلدانهم.
كما فرضت أجهزة الأمن في القاهرة والمحافظات إجراءات أمنية مشددة لتأمين الكنائس وأعدت مئات الأكمنة على مداخل ومخارج المحافظات واصطفت سيارات الشرطة وعلى متنها مئات الجنود حولها وتم منع جميع السيارات من الانتظار حول الكنائس أو الوقوف بالقرب منها.
كما شهدت محافظة الإسماعيلية إجراءات مشددة على جميع الطرق والكبارى والمعديات فيما شهدت كنائس أسوان إجراءات مماثلة وانتشرت قوات الأمن بكثافة ومنعت وقوف السيارات أمام الكنائس. وشددت أجهزة الأمن في الأقصر وقنا وبنى سويف تواجدها حول الكنائس والأديرة والمناطق السياحية والأثرية واحتجزت مئات المشتبه فيهم. وفي الأراضي الفلسطينية ايضا تم تشديد الإجراءات الامنية بشكل غير مسبوق لحماية احتفالات عيد الميلاد.
كما طالب البابا بنديكتوس السادس عشر السبت من قادة العالم حماية المسيحيين من التجاوزات ومظاهر عدم التسامح الديني وذلك في أعقاب الاعتداء الذي استهدف كنيسة في الاسكندرية شمال مصر بعد منتصف الليل ما أسفر عن 21 قتيلا وحوالى 80 جريحا. وقال البابا في قداس رأس السنة من الفاتيكان quot;في مواجهة التوترات التي تحمل تهديدا في الوقت الراهن وامام اعمال التمييز والتجاوزات وخصوصا مظاهر التعصب الديني.. الاقوال لا تكفي بل يتعين على مسؤولي الامم إبداء التزام عملي وثابتquot;.
لكن هذه الدعوة قد أثارت حفيظة شيخ الأزهر الامام الاكبر احمد الطيب فوصفها بانها quot;تدخل غير مقبولquot; في شؤون مصر. وقال شيخ الازهر في مؤتمر صحافي quot;انني اختلف مع البابا في هذا الرأي واتساءل لماذا لم يطالب البابا بحماية المسلمين عندما تعرضوا لأعمال قتل في العراق؟quot;. واعتبر ان دعوة البابا تنم عن تعامل بنظرة غير متساوية للمسلمين والمسيحيين. واذ انتقد شيخ الازهر دعوة البابا جدد في الوقت نفسه إدانته للاعتداء على الكنيسة مؤكدا ان quot;كل علماء المسلمين يعلمون ان ذلك الحادث لا يقره دين او نظام اجتماعيquot;.
رفض منطق حماية الأقليات
ورغم هذه النسبة الكبيرة من الداعين الى إجراءات تكفل حماية المسيحيين في الشرق الاوسط من خلال نشر مفاهيم التعايش او توسيع المشاركة السياسية والحماية وتوفير الامن لهم فإن عددا من القراء رفضوا منطق الحماية للاقليات في الشرق الاوسط وان كان عددهم قليلا.
فقد عبر عن هذا الرفض 841 قارئا من بين 7547 شاركوا في استفتاء quot;إيلافquot; وشكلوا نسبة 11.14 بالمائة من مجموع عدد المشاركين. ويبدو ان هذه المجموعة رفضت منطق الحماية لاسباب منها انها قد تزيد من التفرقة بين الاقليات والمجتمعات التي تحتضنهم ما قد يخلق مشاعر عدائية اضافية لهم.. او عدم الايمان بضرورة التعايش السلمي مع الاقليات.. او لان بعض القراء يرون ان المتوفر من حماية الان كاف لردع مستهدفي الاقليات في الشرق الاوسط.
وعلى اي حال فإن تعايش الاقليات مع مجتمعاتها الشرق اوسطية واستمرار اندماجها فيها كما هو حاصل من الاف السنين بحاجة الان اكثر من اي وقت مضى الى حملة تصدي للهجمة التي تستهدف الاقليات وفي مقدمتها المسيحيون تشارك فيها كل النخب السياسية والثقافية والدينية لزرع ثقافة التعايش والوحدة والتلاحم الشعبي.
التعليقات