يتساءل المسيحيون في العراق حول سبب ما يتعرضون له من أعمال عنف من قبل جماعات مسلحة.
بغداد: يتساءل زاهر بحسرة quot;لماذا يحصل لنا هذاquot; بينما كان واقفا امام سيارته التي دمرتها عبوة ناسفة قرب منزله المتواضع في حي كانت غالبيته مسيحية في جنوب شرق بغداد، حيث قتل انفجار اخر جاريه العجوزين.
ويقول الموظف في شركة خاصة (40 عاما) وقد بدت عليه الصدمة quot;لا اعرف لماذا يحدث هذا؟ فنحن لم نؤذ احدا كما اننا لم نفعل شيئا يسيء الى الاخرين. ونسكن هذه المنطقة منذ خمسين عاماquot;، في حي الغدير.
وادت موجة جديدة من الهجمات ضد المسيحيين العراقيين عشية رأس السنة الى سقوط قتيلين و16 جريحا مساء الخميس باستهداف 14 منزلا في بغداد حيث قتل العشرات منذ شهرين.
وينظر زاهر سامي الى حطام سيارته شارد الذهن وفي عينيه بريق غريب قبل ان يدخل الى منزله الذي شيده والده عام 1966.
ويتابع quot;بدأنا نفكر في الخروج بشكل جدي من البلد، لكننا لا نعرف وجهتنا (...) بعد الهجوم على كنيسة سيدة النجاة لم نفكر في مغادرة العراق لكننا غيرنا راينا الانquot;.
ويضيف quot;كنت اتكلم عبر الهاتف قرب سيارتي، وبعد خمس دقائق من دخولي سمعت صوت انفجار قوي، وشاهدت الدخان يتصاعد، كانت العبوة موضوعة تحت مقعدي وقع الانفجار في الساعة السابعة الا عشر دقائقquot;.
وسبق هذا الانفجار انفجار آخر اودى بعجوز وزوجته في الحي نفسه.
وتساءلت اميرة والدة زاهر بدورها عن الاسباب quot;فنحن لم نفعل شيئاquot;.
وتقول بينما كانت تحمل حفيدها ذا العشرين يوما والدموع تملا عينيها، quot;لم نفكر مسبقا بالهرب لكننا نشعر بالخوف الشديد بعد التفجير. لا نعرف متى نغادر او الى اين سنذهب، لكننا لا نستطيع البقاءquot;.
بدوره، يقول احد الجيران واصفا مقتل العجوز وزوجته quot;شاهدت احدى النساء كيسا بلاستيكيا قرب منزل فوزي ابراهيم مرزا، وسالتهم عما اذا كان يخصهم فقامت زوجته جانيت بفتح الكيس فأنفجرت العبوة بداخله، ما اسفر عن استشهادها وزوجها وجرح ثلاثة اخرينquot;.
ويرفض هذا الجار ذكر اسمه لكنه لم يكف عن تكرار عبارة quot;لماذا يحصل لنا ذلك؟ وما الذي فعلناه او الذنب الذي ارتكبناهquot;؟
ويسكن مرزا (80 عاما) حي الغدير ويشاركهم في منزلهم عائلة مسيحية اخرى من الكلدان، بحسب جارهم الذي يرفض الكشف عن اسمه.
ويضيف ان quot;فوزي وزوجته جانيت يسكنون في المنطقة منذ اربعين عاما، ويحظون باحترام تقدير سكان المنطقةquot;.
وهذا الاعتداء كان الاكثر دموية، اما الاعتداءات الخمسة الباقية، وجميعها بواسطة عبوات ناسفة، فلم تخلف قتلى الا انها اسفرت عن اصابة تسعة مسيحيين بجروح.
وكانت غالبية مسيحية تسكن حي الغدير، وما يزال هناك البعض منهم وخصوصا كبار السن رغم فرار العيد منه بسبب تهديدات تنظيم القاعدة، وممارسة اعمال الخطف والابتزاز بحقهم من قبل العصابات في مناطق مجاورة.
يذكر ان عجوزا وامرأته قتلا بتفجير مماثل في حي الغدير قبل حوالى الشهر.
ولم يعلن اي طرف مسؤوليته عن الهجمات، لكن بعضها يحمل بصمات فرع القاعدة في العراق الذي استهدف في الاشهر الماضية المسيحيين في مناطق متفرقة.
ففي 31 تشرين الاول/اكتوبر شهدت كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في منطقة الكرادة (وسط) مجزرة ارتكبها مسلحون من تنظيم القاعدة اثناء القداس ما اسفر عن مقتل 44 مصليا وكاهنين.
والهجمات ليست الاولى التي تتعرض لمنازل المسيحيين في بغداد.
فبعد الهجوم على كنيسة سيدة النجاة بعشرة ايام استهدفت سلسلة تفجيرات منازل مسيحيين في بغداد موقعة ستة قتلى و33 جريحا وعززت احساسهم العميق بعدم الامان.
ومنذ 2004، تعرضت حوالى 52 كنيسة وديرا لهجمات بالمتفجرات كما لقي حوالى الف مسيحي مصرعهم فضلا عن اعمال خطف طالت المئات لطلب فدية.
وكان عدد المسيحيين في موئلهم التاريخي يتراوح بين 800 الف ومليون ومئتي الف قبل الاجتياح الاميركي في ربيع العام 2003، وفقا لتقديرات مصادر كنسية ومراكز ابحاث عالمية.
ولم يبق منهم سوى اقل من نصف مليون نسمة اثر مغادرة مئات الالاف منهم، كما انتقل بضعة الاف الى مناطق آمنة في شمال البلاد مثل سهل نينوى واقليم كردستان.
ويشكل الكلدان الطائفة الاكبر عددا يليها السريان، من اورثوذكس وكاثوليك، والاشوريين.
وتؤكد مصادر الفاتيكان وجود نحو 300 الف كاثوليكي (مقابل 378 الف عام 1980) يشكل الكلدان 80% منهم.
وفي مهد المسيحية في الشرق الاوسط، يعيش 20 مليونا بينهم خمسة ملايين كاثوليكي من اجمالي عدد سكان المنطقة البالغ 356 مليون نسمة حسب الارقام التي اعلنت خلال سينودس الاساقفة الكاثوليك الذي عقد في تشرين الاول/اكتوبر في الفاتيكان.
وتدفع النزاعات وعدم الاستقرار السياسي والصعوبات الاقتصادية والتمييز والاضطهاد او تصاعد النزعة الاسلامية المتشددة الكثير منهم الى الرحيل.
التعليقات