داود البصري
منذ أن ولدت الكويت و تبلورت كدولة عصرية حديثة فإن منهجها السياسي الاجتماعي والقانوني, كان منهجا انفتاحيا وإنسانيا لحمته وسداه سيادة مبدأ الأسرة الواحدة والانفتاح الكامل بين الحاكم والمحكوم, في ظل علاقات إنسانية قوامها الاحترام والتفاعل الإنساني. وبرغم اللحظات الحرجة في فواصل مهمة من التاريخ الكويتي الحديث إلا أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم وحتى جهاز الدولة ظلت علاقة تفاعلية لاتصل أبدا الى مستوى القطيعة أو العداء المستحكم وكانت الديمقراطية والشورى وإشراك الشعب في اتخاذ القرار وتقرير المسيرة هي الخلطة الكويتية الناجحة التي تألقت من خلالها الكويت في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي بعد استكمال البناء الهيكلي للدولة الكويتية الحديثة التي كانت سمتها الأساسية نظام دولة الرفاهية و الحرية في التعبير والسلوك الملتزم بالثوابت الوطنية والأخلاقية المعروفة والتي لا يحتاج الشعب الكويتي لمن يرشدهم لطريقها لأن إسلامهم وإيمانهم مسألة فطرية محسومة. ومع دخول المنطقة الخليجية ومنها الكويت بطبيعة الحال في عقد الثمانينات كانت التحديات السياسية والأمنية منتصبة ومشهرة بقوة من خلال تردي الموقف السياسي والعسكري في الخليج العربي مع اندلاع نيران الحرب العراقية - الإيرانية وحالة الورطة الستراتيجية التي وقع في أتونها النظام العراقي السابق ومحاولة توريط دول الإقليم - ومنها الكويت - في تلك الحرب الماراثونية والتي أفرزت بحكم طبائع الامور تحديات أمنية إقليمية كبرى لا تخطىء العين الخبيرة قراءة دلالاتها في ظل المشروع الإيراني القديم لتصدير الثورة في مرحلة حفلت بالشعارات الحماسية وبمحاولات بناء الخلايا الداخلية مما خلق حالة من التوتر الأمني والسياسي, فكانت المعادلة الداخلية في الكويت ومدافع آيات الله على مقربة من تخومها الشمالية, تتأرجح في المفاضلة ما بين الديمقراطية والأمن وامكانية التعايش بينهما في مرحلة كانت ساخنة للغاية وتداعياتها مصيرية بكل تأكيد, فالكويت وجدت نفسها على غير رغبة منها ولا تخطيط وسط صراع اقليمي كبير ادت ديبلوماسية الأمير الشيخ صباح الأحمد وقتها دورا مركزيا في تجنب الكثير من المنزلقات والتداعيات الخطيرة.
لقد رسم الصراع الإقليمي الشديد وقتها ملامحه على مستوى إدارة الصراع الداخلي في الكويت, فتم تجاوز الأزمة ولكن وصولا إلى ازمة أخرى قدر لها أن تغير وجه النظام الدولي بأسره بعد غزو نظام صدام حسين للكويت عام 1990 والذي أدخل المنطقة والعالم في مرحلة كونية مختلفة بالمرة, والكويت اليوم وهي تعاني من ملفات ساخنة لصراعات سياسية كانت تتجدد بين الفينة والأخرى تعيش وسط ظروف صراع اقليمية خطرة فرضت ظلالها على مجمل الاوضاع العامة في المنطقة, فليس مصادفة بالمرة أن تتصاعد حوادث غريبة في الشارع الكويتي مثل اكتشاف كميات هائلة من المواد الغذائية والاستهلاكية الفاسدة وانعكاسات ذلك على مستوى الأمن الغذائي, والذي هو جزء لا يتجزأ من مسألة الأمن الوطني والقومي, كما أن محاولات تشويه سمعة الأجهزة الأمنية وأجهزة وزارة الداخلية عبر ملفات مشوشة ومرتبكة هي صيغة واضحة من صيغ الإضرار بالأمن الوطني وإضعاف الجبهة الداخلية عن طريق زرع الشكوك والأشواك وإضعاف ثقة المواطن بأجهزة الدولة, فالحرب ليست مجرد مواجهة عسكرية مباشرة, بل أن لها صيغاً وأشكالاً أخرى ومتحولة. لقد قلنا سابقا وفي أكثر من مناسبة بأن الكويت مستهدفة وبقوة من قبل الكثير من الأطراف, والتي لا نود التصريح باسمها لأنها معروفة ولا حاجة للإفاضة, والحر تكفيه الإشارة, وذلك الاستهداف ليس جديداً بالمرة, بل إنه قدر كويتي دائم, فالحفاظ على الديمقراطية والسلام الأهلي والاجتماعي هو عملية من أصعب عمليات إدارة الصراع الوطني, وهنالك أجندات خفية تديرها أطراف إقليمية معروفة سبق لها أن أسست الخلايا السرية ورعت العمليات الإرهابية ففشلت في مساعيها بسبب اليقظة الوطنية وبسبب المعادلة الأمنية الكويتية القائمة على أساس أن كل مواطن خفير, مما جنب البلد الكثير من الأزمات والتعقيدات, ويبدو أن أعداء الكويت, وما أكثرهم وأولي الأمر يعرفونهم جيدا بكل تأكيد, لم يكلوا أو يملوا من محاولات اختراق الجبهة الداخلية, فكانت الأحداث الأخيرة عبر تصعيد الخلاف الداخلي وعبر الأساليب التشويهية وإضعاف ثقة المواطن بأجهزة الدولة.
ستظل الكويت على خط النار وشعبها يحتفل بالذكرى الخمسين للاستقلال الوطني, والعشرين للتحرير من الغزو الغاشم والولادة الجديدة والخامسة لتولي سمو الأمير صباح الأحمد مقاليد الأمور, واهل الديرة هم اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة للتضامن والتعاون وإغلاق باب الفتنة, وسيفشلون المؤامرة كما هو دأبهم عبر التاريخ الحديث.. ولن تجدوا لسنته تبديلا.
التعليقات