عبدالعظيم محمود حنفي
على الرغم من أن الاستفتاء يُنهي مرحلة من حق تقرير الجنوبيين فإنه يبدأ مرحلة أخرى. والتساؤل المطروح هل تكون الدولة الجديدة في جنوب السودان دولة فاشلة ؟ هناك وجهتا نظر: الاولى ترى أن القول ان جنوب السودان سيكون دولة فاشلة في اليوم الأول للاستقلال. هو قول غير صحيح وهو لا يعكس الواقع: وانه ففي السنوات الثلاث الماضية تم تحويل جوبا إلى مدينة جيدة الأداء، تدب فيها الحركة حيث أقيمت فيها عشرات الفنادق، وتخترقها شوارع معبدة، ويوجد فيها نظام شامل لتوصيل المياه. وعلاوة على ذلك، باستطاعة جوبا دفع الموارد إلى الأقاليم بصورة متزايدة. وهناك مجتمع مدني متنام، وقطاع خاص يقوم بأعماله بصورة فاعلة. وبتوصية من الحكومة، شهد الجنوب تدفقاً من رجال الأعمال الأفارقة من دول مجاورة مثل تنزانيا وأوغندا للمساعدة على دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام. ولهذه الدول مصالح قوية في نجاح الجنوب، حيث تأمل في تأمين منطقة فاصلة بينها وبين ما تراه شمالاً إسلامياً عدوانياً. وتتحدث تقارير عن ارتفاع حجم الصادرات اليوغندية للجنوب الى (260) مليون دولار خلال العام الماضي ، و12 مليون دولار لكينيا ، وعلى الرغم من أن هناك قلقاً من وجود اتجاه استبدادي في جنوب السودان، لا يزال البرلمان يسمح بوجود معارضة تقوم بأعمالها بصورة فاعلة. وجهة نظر الاخرى ترى ان الجنوب سيكون مستقلاً في ظروف مشؤومة. لانه واحد من أفقر مناطق العالم. وحسب أرقام البنك الدولي quot;المخيفةquot;، تعيش نسبة تسعين في المئة من الجنوبيين (عشرة ملايين شخص تقريبا) بدخل يقل عن دولار يومياً. وتموت نسبة عشرين في المئة من النساء بسبب الحمل والولادة. ولا تدخل المدارس الأولية نسبة ثمانين في المئة من البنات. ولا تعرف نسبة خمسة وثمانين في المئة من الجنوبيين القراءة والكتابة. وأن الجنوب رغم انه تسلم ثمانية مليارات دولار من ثروة النفط خلال الست سنوات الماضية. الا ان عائد النفط لم يصرف كما يجب حيث اشتروا كميات كبيرة من الأسلحة، بدلاً من الصرف على مشاريع التنمية. فآخر ميزانية لحكومة جنوب السودان قبل الانفصال-شملت سبعة عشر مليون دولار لوزارة الزراعة، بينما كانت ميزانية وزارة الدفاع خمسمئة مليون دولار تقريبا.
لكن الخطر الاكبر في تقديري هو واقع التعدد والتنوع في السودان الجنوبي الذي يموج بالعديد من الاجناس واللغات والاديان والثقافات حتى انه لا تسود بين قاطنيه حضارة متجانسة. وطبقاً لدراسات علماء الاجناس يمكن تصنيف سكان الجنوب الى مجموعات ثلاث رئيسية هم النيليون ويتألفون من قبائل الدينكا والشيلوك والنوير والانواك والبورون وغيرها من القبائل. وتعد قبائل الدينكا التي ينتمي اليها معظم قادة الحركة الشعبية برئاسة سلفا كير اكثرها تحضراً وتعد النوير اشدها مراساً والمجموعة الثانية هم النيليون الحاميون ويتألفون من قبائل المورلي والباري والديدينجا والبويا واللاتوكا والتوباسا وهم يعيشون في اقصى الجنوب. والمجموعة الثالثة هي القبائل السودانية وتتالف من الازاندي والمورو-ماري وغيرها من القبائل الصغيرة التي تعيش في منطقة غرب النيل واصطلاح السودانية هو اصطلاح سلالي اثني وليس اصطلاحاً سياسياً. وعليه ادت الفوارق في السلالة والاصل التاريخي بين القبائل المختلفة في السودان الجنوبي الى تنوع وتعدد اللغات واللهجات المستخدمة. ويبلغ عدد اللغات الرئيسية المستخدمة في السودان الجنوبي نحو 12 لغة على اقل تقدير. فالسودان الجنوبي يكاد يكون صورة مصغرة لافريقيا. وتدين غالبية القبائل الجنوبية بالديانات التقليدية. وزاد انتشار المسيحية في الاعوام الاخيرة. كما يوجد الاسلام هناك بنسبة قليلة. وعليه، فالسودان الجنوبي، لا يشكل جماعة بشرية متجانسة. وينتمي معظم اتباع الجيش الشعبي لتحرير السودان (نواة الجيش الجنوبي) الى قبائل الدينكا التي تعد اكبر تجمع عرقي في السودان الجنوبي. وتتمركز تلك القبيلة في اعالي النيل وبحر الغزال وتنافسها قبائل النوير التي يتنمي اليها ريك مشار نائب سلفا كير وهو مهندس حاصل على شهادة الدكتوراه. اما لام اكول المعارض لحكومة سلفا كير فهو ايضا مهندس حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة وينتمي لقبيلة الشلوكوكلاهما سبق ان انشق عن الحركة الشعبية. ومن ثم فان المخاوف والعداءات القبيلية بين الدنكا المهيمنة على المشهد السياسي والاكثر عدداً وبين القبائل الجنوبية الاخرى وعلى رأسها الشلوك والنوير يمكن ان تؤثر على تماسك الدولة الوليدة ولا يمكن تصور استقرار الا عبر اشراك تلك القبائل في الحكم والثروة . ويعوّل الكثيرون في الجنوب على دور اميركي كبير في مساندة الدولة الوليدة ويدعو بعضهم الى قيام اتفاقية أمن أميركية مع الجنوب يجب أن تُدعم بإجراءات موثوقة لجعلها ذات فاعلية. ويرون إن قيام جنوب أقوى يمكن أن يعني وقوع أذى أقل مع الشمال. كما ان لدول شرق إفريقيا والقرن الإفريقي مصالحها الخاصة بها والتي تعني بالدرجة الأولى رؤية جنوب مستقر مع حدود يمكن الدفاع عنها بحيث تخلق منطقة فاصلة ضد ما يمكن أن يتحول- وفق وجهات نظر اميركية - إلى شمال إسلامي أكثر تطرفاً. حيث هناك من يرى في مراكز الدراسات الاستراتيجية الاميركية ان التخوف ناشئ ليس من دولة فاشلة في الجنوب بل من دولة فاشلة في الشمال !
التعليقات