ما يحدث في غزة ليس مفاجئاً وليس غريباً ويجب أن لا يكون كذلك أبداً. فالصبر الشعبي يصل مداه، والاحتقان يتفجر، ولا بد للمصدور أن ينفث.
ربما لم يعد ضرورياً انتظار سقوط حركة حماس في قطاع غزة لنعرف رأي الفلسطينيين بها، فقد بدا الشعب الفلسطيني في القطاع يعبر عن رأيه بكل جرأة وشجاعة، وخرج في مسيرات مناهضة للحركة وبصوت واضح ومرتفع هذه المرة.
فالنزيف الدموي في القطاع لم يتوقف، وبعد خمسين ألف ضحية ومئة ألف جريح، صار لا بد للشعب الفلسطيني أن يخرج عن صمته ويقول قول الحق الذي يجب أن يستمع له الجميع. والعواطف الشعبية العربية التي حفزتها وسائل الإعلام الشعبوية الراكضة نحو تحصيل المشاهدات العالية كانت ذات دور سلبي في استمرار النزيف الفلسطيني. والتحليلات العاطفية التي بثها جنرالات الشاشة كانت سبباً في استمرار عتمة نظر حركة حماس، التي ظنت أن تلك التحليلات تعني نصراً مؤزراً لها.
لم تخسر حركة حماس النصر الذي وعدت به تحليلات المحللين، بل ستخسر حكمها لقطاع غزة، إذ يبدو أن لا عودة لحكمها في القطاع، وهذه حقيقة بدأ يصوغها الغزيون بأصواتهم عبر مسيراتهم المناهضة لحكم حماس، ولا شك أنهم مستعدون لكل التضحيات الممكنة لتحقيق ما خرجوا من أجله.
إقرأ أيضاً: المعايير المغلوطة للنصر والهزيمة
ستحاول حركة حماس إحباط المسعى الشعبي المناهض لها، وقد تستخدم السلاح ضد المتظاهرين العزل، فإن نجحت حماس في ذلك، فمعنى هذا أنه تم بدعم إسرائيلي مباشر. وهذا لن يكون أمراً غريباً. فلم يعد خافياً أن حماس كانت صنيعة المخابرات الإسرائيلية في بداية الانتفاضة الأولى عام 1987، لكي تكون الأداة الأقوى لضرب الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بصورة خاصة. كذلك كان سكوت إسرائيل على انقلاب حماس ضد السلطة الفلسطينية عام 2007 سكوتاً مشبوهاً، وما جرى بعد ذلك من دعم إسرائيلي لسلطة حماس بتمويل خارجي لم يعد مصدره سراً لحكم حماس في غزة، يشير إلى أن إسرائيل ربما منعت السلطة الفلسطينية من استعادة حكم غزة بالقوة. وظلت استراتيجية إسرائيل، وبصورة خاصة منذ عودة بنيامين نتانياهو للحكم عام 2009، إبقاء حماس قوية وإدامة حكمها لقطاع غزة لمواصلة إضعاف السلطة في رام الله.
كان بنيامين نتانياهو صاحب فكرة توريد التمويل الخارجي بقيمة ثلاثين مليون دولار شهرياً إلى حماس، وكانت الأموال تصل نقداً وعداً إلى تل أبيب، وتنقلها حكومة بنيامين نتانياهو مباشرة إلى حماس، التي كانت تستخدمها للتسلح وبناء الأنفاق، وليس لتنمية القطاع ومساعدة أهله.
الذي كان بين نتانياهو وحماس ربما كان أكثر من مجرد تعاون، بل يمكن تسميته بأنه "تحالف الأضداد"، وكل طرف كانت له مصلحته في هذا التحالف، الذي استمر بالتمويل الخارجي تحت سمع وبصر القوى العربية والإقليمية. وقد كانت حماس هي أداة إسرائيل الصلبة في تحطيم عملية السلام وتبخر مشروع حل الدولتين، وظل بنيامين نتانياهو يعلن أنه لا يجد شريكاً فلسطينياً حقيقياً للتفاوض معه.
إقرأ أيضاً: إلى متى يظل الوعي مفقوداً؟
والآن، مع استمرار الحرب واستمرار المظاهرات المناوئة لحركة حماس في القطاع، لماذا يجب أن تخرج حماس من حكم غزة ومن كل غزة؟ فقد حكمت حماس غزة بالحديد والنار، واستخدمت الدين للترغيب والترهيب وفرض سلطتها وثقافتها وتوجيه القطاع في الاتجاه الذي تريده الحركة بما يناسب مصالح إيران وإسرائيل، التي تقاطعت أيضاً مع مصالح بعض القوى الإقليمية الأخرى.
عندما لم يعارض الغزيون حماس في بداية الحرب، لم يكن ذلك يعني تماسك الأرضية التي تقف عليها حماس، ولم يكن يعني تلاحم الشعب والحركة، بل كان مجرد خوف ورهبة بعد صدمة القصف الإسرائيلي. أما الآن، وبعد أن جرب الغزيون حالة الهدنة لأكثر من شهرين، فقد استجمعوا شجاعتهم ليقولوا كلمتهم بالصوت العالي، وينطلقوا لأجل مصلحتهم ومصلحة الأجيال المقبلة. كما أن ما شجع الغزيين على الانتفاضة ضد حماس هو نقمتهم على الحركة وميليشياتها، التي ظلت مختبئة طوال أيام الحرب، وخرجت أيام تسليم المخطوفين كما لو كانت في استعراض النصر. وعندما تجدد القصف، وبدأ الفلسطينيون المدنيون يتساقطون بينما الميليشيات مختبئة، انفجر الغزيون في مظاهرات عفوية ضد الظلم والاستبداد الحمساوي.
تصاعد الغضب الشعبي الفلسطيني ضد حماس كان نتيجة اقتناع الناس بأن المقاومة المسلحة على طريقة حماس لم تحقق أي إنجاز لمصلحة الفلسطينيين، بل على العكس أعادت الاحتلال إلى القطاع. وما يحدث الآن يعكس حالة الإحباط العميقة لدى الغزيين، الذين اكتشفوا إخفاقات الحركة، سواء في الحكم أو في القتال.
إقرأ أيضاً: بعد صمت المدافع.. أي نصر وأي هزيمة؟
لقد شاهد أهالي غزة ميليشيات حماس تخطف المساعدات وتتاجر بها. وشاهدوا الميليشيات تختبئ بين النساء والأطفال وفي المستشفيات والمدارس، وهذا دفع الناس للانفجار في وجه الحركة بهذا الشكل الذي نراه الآن.
لا شك أن هناك من لا يريد الخير لفلسطين ولا لشعب فلسطين، وقد تم استخدام الشعب الفلسطيني كثيراً ليكون أداة لخدمة مصالح أطراف خارجية باتت معروفة، لا تريد للسلام أن يعم، ولا تريد للخير أن يصيب الشعب الفلسطيني، لأن السلام والخير لا يخدم مصالحها.
الشعب الفلسطيني يستحق حياة أفضل، وأهل غزة بالذات يكفيهم ما أصابهم من موت ودمار. لقد حان الوقت لتعود الحياة إلى قطاع غزة، ويتم إعمارها وإعادتها إلى الحياة، وتحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط لأجل مصلحة شعبها وشعوب الشرق الأوسط.
وأخيراً، لا ننسى قوله تعالى: "ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"، فهل حان أجل حماس في غزة؟
التعليقات