لطالما كانت القضية الفلسطينية محورًا للصراعات السياسية والدبلوماسية، حيث تعاقبت الخطط والمبادرات دون أن تحقق سلامًا دائمًا. ومن بين الحلول التي لم تحظَ بالاهتمام الواجب، هناك اقتراح عبقري يتمثل في إعادة اليهود إلى وطنهم الأول، وهو جمهورية اليهود في بيروبيدجان الواقعة في جنوب شرق روسيا، بدلاً من الاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية وتهجير سكانها الأصليين.
يسأل البعض: هل للفلسطينيين وطن تاريخي؟ لكن السؤال الأهم هو: هل كان للشعب اليهودي وطن خاص به في فلسطين أصلًا؟ المؤرخون يعلمون جيدًا أنَّ الوطن الأول الذي تأسس لليهود لم يكن في فلسطين، بل في بيروبيدجان، التي أُنشئت بقرار من الاتحاد السوفيتي عام 1928 كأول جمهورية يهودية ذات حكم ذاتي.
هذه الجمهورية لم تُؤسس من خلال الاستعمار أو التهجير القسري، بل كانت خطوة سلمية بدعم يهودي عالمي، حيث دعمتها شخصيات بارزة مثل ألبرت أينشتاين والكاتب الأميركي غولدبرغ، وهاجر إليها الكثير من اليهود من مختلف أنحاء العالم بحثًا عن الأمان. لقد كانت هذه الجمهورية ملاذًا آمنًا حتى ظهرت الصهيونية، التي تجاهلت هذا الحل واختارت فلسطين لتحقيق مشروعها الاستيطاني على حساب الشعب الفلسطيني.
تقع بيروبيدجان في منطقة شاسعة توازي مساحة سويسرا، وهي منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة، إذ تبلغ 14 نسمة لكل ميل مربع، مقارنة بنحو 945 نسمة لكل ميل مربع في إسرائيل و1728 نسمة لكل ميل مربع في الأراضي الفلسطينية. هذه الأرقام وحدها تدحض الحجج الصهيونية التي تبرر الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين بحجة الحاجة إلى وطن.
إنَّ بيروبيدجان ما زالت تضم جالية يهودية كبيرة، وكان يمكن أن تستمر الهجرة إليها لولا تدخل الصهيونية التي قررت أن فلسطين هي الخيار، ليس بسبب الضرورة، بل بسبب الطمع في أرض غنية بتاريخها وموقعها الاستراتيجي.
أحد أكبر الأكاذيب التي روّجتها الصهيونية هو أنَّ اليهود لم يكن لديهم أي خيار آخر غير فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية. لكن الحقيقة أنَّ خيار بيروبيدجان كان موجودًا، وكان بإمكان اليهود العيش بسلام هناك دون الحاجة إلى تشريد الفلسطينيين وسلب أراضيهم. ومع ذلك، تغاضى الصهاينة عن هذا الحل واختاروا طريق العنف والاحتلال.
إنَّ تجاهل بيروبيدجان ليس مصادفة، فإسرائيل وحلفاؤها الاستعماريون يحرصون على إبقاء هذا البديل في الظل، لأنه يهدد الأساس الأيديولوجي للدولة الصهيونية. كما أن إسرائيل تخشى أن يزداد الوعي العالمي بوجود جمهورية يهودية قائمة أصلًا، ما قد يؤدي إلى تآكل شرعيتها القائمة على الاحتلال والتهجير.
إنَّ دول العالم، وخاصة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، يمكنها دعم هذا الحل دون خوف من الاتهامات بمعاداة السامية. فاليهود يعيشون بالفعل في بيروبيدجان دون أي اضطهاد أو عنصرية، فلماذا لا يكون هذا هو الوطن الذي يجمعهم، بعيدًا عن انتهاك حقوق الفلسطينيين؟
الحل العبقري للقضية الفلسطينية ليس مجرد فكرة خيالية، بل هو خيار تاريخي ومنطقي يعيد الأمور إلى نصابها، حيث يعود اليهود إلى موطنهم الأول، ويترك الفلسطينيون ليعيشوا بسلام في أرضهم التي سُلبت منهم ظلمًا. إن استعادة الحق الفلسطيني، وإعادة النظر في التاريخ المغيّب، هو مفتاح حل هذه الأزمة المستعصية.
حتى لو تم تبني هذا الطرح، فإن تنفيذه مستحيل من الناحية العملية. روسيا ليست مستعدة لاستقبال ملايين اليهود، والمجتمع الدولي لن يدعم إجبار اليهود على مغادرة إسرائيل، كما أن اليهود أنفسهم لن يختاروا الانتقال إلى منطقة غير مجهزة لاستيعابهم. إن طرح حل يتجاهل إرادة الأطراف المعنية يجعله غير ذي جدوى.
بدلًا من البحث عن بدائل تعيد إنتاج التهجير القسري، يجب التركيز على الحلول العادلة التي تضمن حقوق الفلسطينيين، مثل إنهاء الاحتلال، وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم، ووقف الاستيطان غير الشرعيّ.






















التعليقات