تونس: هل هي بداية أم طائر خارج السرب؟

جورج سمعان
الحياة
جميعهم يعبّرون عن احترامهم laquo;خيارraquo; الشعب التونسي. جيران تونس الأقربون والأبعدون. لم يعبروا عن هذا الاحترام عندما كان النظام يحدد هذا الخيار من دون الرجوع إلى رغبة هذا الشعب. فاجأتهم الانتفاضة. فاجأت فرنسا التي حاولت في الأيام الأولى أن تعدد منجزات النظام في الاقتصاد والتحديث. لكنها استدركت الأمر عندما بدا أن غضب الشارع ماض حتى النهاية. وواشنطن التي قدمت الكثير في دعم الحكم، سبقت فرنسا في التعبير عن استيائها من سياسة الرئيس بن علي، وأنّبت سفيره لديها، واعترضت على الرقابة المفروضة على المواقع الإكترونية. أما العواصم العربية التي لا تسلم واحدة منها من مشاكل وأوضاع ليست بعيدة ممّا تعانيه تونس، فظلت تتفرج صامتة، إلى أن خرج الرئيس زين العابدين بن علي في رحلته النهائية عن البلاد التي سورها بسياج من حديد.
عندما تولى بن علي السلطة في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1987 كان النظام يخوض صراعاً مع التيارات الإسلامية والليبرالية واليسارية، ويواجه صعوبات في إرضاء النقابات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وسرعان ما لجأ laquo;الخليفةraquo; إلى أسهل الحلول: المواجهة المفتوحة مع الحركات السياسية كلها بلا استثناء، والتسليم بخريطة طريق رسمها البنك الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى للاندماج كلياً في اقتصاد السوق ومتطلباتها. والتوجه نحو ربط الاقتصاد التونسي باقتصادات دول شمال المتوسط، على صعيد الصناعة السياحية والصناعات الأخرى. ورافقت هذا التوجه حركة تحديث واسعة أضافت إلى ما حققته المرحلة البورقيبية.
وعرف النظام كيف يفيد من الأزمات التي ضربت البلاد المجاورة. من الحرب الأهلية التي شغلت الجزائر طوال عقد التسعينات. إلى الحصار الذي تعرضت له الجماهيرية الليبية أكثر من عشر سنوات إثر إسقاط طائرة laquo;بان أميركانraquo; فوق لوكربي في 21 كانون الأول (ديسمبر) 1988. فبدت تونس والحال هذه laquo;النمر الاقتصاديraquo; في شمال أفريقيا. بل عرفت نسب نمو جعلتها الأولى على مستوى القارة السمراء. وساعدت الدول الأوروبية والولايات المتحدة هذا laquo;النمرraquo;، ووفرت له الغطاء اللازم محلياً وإقليمياً. رأت فيه نموذجاً للنهوض الاقتصادي، ونموذجاً في القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة، في إطار حربها المفتوحة على laquo;الإرهاب الأصوليraquo; لـ laquo;القاعدةraquo; وأخواتها.
لكن هذه laquo;المعجزة الاقتصاديةraquo; لم تحل بركاتها على التونسيين. ما أنتجته معدلات النمو وهذه الشراكة الاقتصادية مع أوروبا، لم يوزعها النظام بالعدل والقسطاس لتشمل أوسع الفئات. أو لتشمل كل المدن ويشعر بها أهل الأرياف والمحافظات النائية، ما خلف تفاوتاً في التنمية، وزاد الهوة بين الطبقات الاجتماعية، بين المدن والأرياف، وبين المناطق والمحافظات. ألم تنطلق الشرارة الأولى من خارج تونس العاصمة، من المناطق الأكثر حرماناً وزحفت نحو المدن فالعاصمة لتقتلع النظام ورموزه؟ كان المستفيدون جماعة من اركان النظام وعائلة الرئيس. حتى الطبقة المتوسطة الواسعة التي نمت طوال نصف قرن بعد استقلال البلاد كانت تعاني من انسداد أفق التقدم والنمو وانعدام فرص العمل. إلى حد أن الكثير من رجال الأعمال والعائلات التي كان لها تاريخياً دور في حركة التجارة والأعمال والصناعة أقصيت من السوق... والمنافسة.
أما أصحاب الرساميل والاستثمارات الخارجية الذين كانوا يفدون إلى هذا البلد، فكانوا مضطرين إلى دفع ضريبة مضاعفة، واحدة إلى الحكومة تفرضها القوانين، وثانية كانت تفرضها جماعة النظام وبعض أفراد عائلة الرئيس الذين لم يتورعوا عن laquo;الاستيلاء على أملاك الناس وفرض الشراكة بالقوة على الاستثمارات الداخلية والخارجيةraquo;. هكذا يتهمه التونسيون اليوم. وهكذا وصفتهم برقية ديبلوماسية أميركية كشفها موقع laquo;ويكيليكسraquo;، قالت إنهم أشبه بالمافيا.
إلا أن هذا الربط العضوي لاقتصاد تونس باقتصادات أوروبا جعل هذا البلد أكثر انكشافاً وعرضة للاهتزاز والتوترات الاجتماعية. لذلك لم يكن ممكناً فصل أزمته الاقتصادية عما تشهده دول الاتحاد الأوروبي، نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم أواخر عام 2008، وفي ظل أزمة الغذاء الحالية التي يرجح أن تتفاقم مع الفياضانات التي تشهدها استراليا ودول أخرى مصدرة للقمح، أي لرغيف الخبز. هذه الأزمات في دول شمال المتوسط أدت في تونس إلى تراجع الاستثمار وصناعة السياحة وغيرها من قطاعات اقتصادية وصناعية مرتبطة مباشرة بالسوق الأوروبية. مثلما قلصت فرص العمل أمام المهاجرين من شمال أفريقيا. ودفعت إلى قوانين مشددة أمام العمالة الوافدة، شرعية أوغير شرعية.
وما عجل في سقوط النظام هذه الأعداد الوافرة من الخريجين وحملة الشهادات الجامعية الذين كانوا يجوبون شوارع العاصمة والمدن الكبرى بحثاً عن فرص عمل ندرت (البطالة تتفاوت مناطقياً بين 15 و20 في المئة). فيما كان النظام الأمني الذي فكك كل أشكال المعارضة الحقيقية، ليقيم معارضة شكلية هي جزء من صورة النظام التسلطي، يتعرض لحملات من جانب هيئات حقوق الإنسان: صنفته أنه الأسوأ في هذا المجال. والعدو الأول للإعلام وحرية الصحافة. وكانت المفارقة أن وسائل الإعلام، من إنترنت وفضائيات ومواقع إلكترونية شكلت السلاح الأمضى في تأجيج مشاعر الانتفاضة وإسقاط النظام!
هكذا أثبتت laquo;الصورةraquo; مجدداً، عبر مواقع laquo;فيس بوكraquo; و laquo;يو تيوبraquo; والهواتف الجوالة وغيرها، أنها سلاح البسطاء. وأنها أقوى من أي حزب وحركة في صناعة الرأي العام وتحريكه وتعبئته والتأثير في توجهاته. حركت laquo;الصورةraquo; المتداولة على الإنترنت وأخواته التونسيين في كل المحافظات والدساكر والمدن. وساهمت في تحويل التحرك من وجهته الاجتماعية الاقتصادية إلى السياسة، ليعبر الناس عن برمهم بهذا النظام... ثم الانتفاضة عليه وإطاحته.
يصعب التنبوء بالاتجاه الذي ستسلكه الأزمة التونسية. والسؤال الملح اليوم، في ظل هذه الضبابية والفلتان الأمني المرعب: هل يستطيع الجيش ضبط العملية السياسية التي ستشهد تنافساً شديداً على وراثة النظام؟ لا يبدو أن ثمة أسماء طامحة في قيادات الجيش يمكن أن تدير العملية، على رغم أن المؤسسة العسكرية كان لها أخيراً القرار بدفع بن علي إلى الرحيل. فالجيش لم يعرف له سابقاً دور كبير في الحياة السياسية بخلاف الشرطة وأجهزة الأمن التي وصل على ظهرها الرئيس بن علي إلى سدة الحكم. لذلك قد تكون المرحلة الانتقالية قاسية وصعبة. والمهم أن يؤدي الجند دورهم ليس فقط في حراسة الحدود والتراب التونسي، بل في حراسة الدستور، والدفع بالكيانات الحزبية وسائر قوى المجتمع المدني التي قادت كلها هذه الانتفاضة الوطنية الجامعة، نحو تنظيم انتخابات ديموقراطية ينبثق عنها نظام جديد.
ولن تكون مهمة الجيش كافية. الدور الأساس يقع على عاتق الأحزاب والقوى والنقابات. صحيح أن النظام الشمولي البوليسي لم يسمح طوال ربع قرن بقيام قيادات شابة. بل قضى بالقوة والسجن والنفي والترهيب على أي أطر حزبية أو كيانات ثقافية تساهم في تنمية التعددية والديموقراطية... باستثناء ربما بعض الهياكل النقابية. ولم يتح الفرصة والظروف التي تؤدي إلى قـيام مجتمع مدني قادر على المساهمة في انتاج كوادر تقود العملية السياسية في هذه الفترة. لكن على هذه الأحزاب والقوى السياسية المختلفة التي عانت ما عانته طوال عقود، ألا تتلهى بمعالجة أمراضها وانقساماتها وتصفية خلافاتها، أو بالانخراط في سياسة الثأر والانتقام. خصوصاً ان بعض وجوه النظام السابق لا يزال في الصورة.... كأنه نصف انقلاب على حكم بن علي، او laquo;حركة تصحيحيةraquo;!
المهمة الملحة أن تثبت هذه القوى أنها قادرة بسرعة وسلاسة على إدارة الأزمة وتداعياتها. وأن تبتدع السبل والوسائل للمساعدة على فرض حد أدنى من الهدوء والاستقرار، لأن السباق على السلطة، والتنافس بين كوادر في الداخل تحمّلت ظلم النظام وتجاوزته، وكوادر عاشت منفية ومطاردة في الخارج، قد يفاقمان حدة الأزمة ويقضيان على آمال الناس بالتغيير. إن بداية تلاقي هذه الأحزاب والقوى على البيان المشترك الذي وقّعته في فرنسا مؤشر لا يكفي لإشاعة التفاؤل، ما لم تستعجل هذه المصالحة السياسية. وتسهيل عملية الخروج من المرحلة الانتقالية إلى انتخابات حقيقية تقوم على أساس من الحرية التي تضمن التعددية والتداول السلمي للسلطة من أجل الانتقال الـسـلس إلى بناء نظام جديد بدل الغرق في التنافـس والتحارب على السلطة.
ستتغير التركيبة السياسية في تونس بلا شك. وستتحول الانتفاضة التي أثبتت فشل الدولة الوطنية العربية ونخبها السياسية التي قامت على laquo;أمجادraquo; طرد المستعمر، درساً لكثير من الدول العربية التي يعيش بعضها ظروفاً مماثلة في السياسة والأمن والاقتصاد والعجز المقيم. فهل تكون تونس بداية انفراط العقد لأنظمة عربية فاجأتها هذه الغضبة العفوية السريعة، أم تكون طائراً غرد خارج السرب؟ بالنظر إلى الخريطة العربية ليس أسهل من رؤية الحرائق، المشتعل منها والكامن تحت الرماد!
بروفة السودان لتفتيت العرب!
عرفان نظام الدين
الحياة
وقضي الأمر... ووقع الفأس في الرأس ودخل السودان مرحلة الأخطار الكبرى والحروب الأبدية ودخل العرب معه مفترق طرق قد يؤدي إلى مصير مماثل ضمن مؤامرات التفتيت والتقسيم وإثارة الفتن الطائفية والعرقية والمذهبية.
ويخطئ من يظن أن نتائج الاستفتاء في جنوب السودان لفصله عن الشمال هي مجرد قضية تقرير مصير أو عملية ديموقراطية سليمة تستهدف تلبية رغبات ومطالب أهل الجنوب وتأمين حقوقهم المشروعة. فما جرى ما هو إلا laquo;بروفةraquo; تبدأ بالسودان وتنطلق شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لتعمم على الدول العربية والإسلامية بالتدريج على طريقة تجريع السمّ على مراحل. ومؤامرة تحريض الجنوب على الشمال قديمة تعود إلى عشرات السنين ساهمت فيها المطامع الأجنبية بالثروات والمعادن والنفط والمؤامرات الصهيونية المتواصلة منذ أكثر من قرن لمنع اتحاد العرب وفرط أية وحدة بينهم ومنع أي تفاهم لتمكين إسرائيل من السيطرة والهيمنة وجعل يدها الظالمة هي العليا فوق أي قوة عربية مهما بلغ شأنها. ويعرف القاصي والداني وبخاصة من يهتم بشؤون السودان حجم التدخلات الأجنبية وتاريخ التورط الإسرائيلي في حرب الجنوب في التحريض والتمويل والتسليح والتدريب وتأليب القبائل الجنوبية المسيحية والوثنية الأفريقية ضد الشمال المسلم والعربي في مجمله. بل إن التحركات المريبة التي سبقت الاستفتاء لم تخف على أحد إذ تناقلت أخبارها وكالات الأنباء والفضائيات، إن في تهريب الأسلحة أو في إرسال مئات العملاء من laquo;الموسادraquo; والأجهزة الإسرائيلية ومعهم مئات الجنوبيين الذين تم تدريبهم في إسرائيل على مختلف الأمور العسكرية والإدارية والاستخبارية. إلا أن هذا الواقع الأليم لا يمنع من تحميل الأوزار الكبرى والمسؤوليات المباشرة للأطراف السودانية على اختلاف اتجاهاتها وللنظام القائم الذي جلب معه شتى أنواع المظالم والمساوئ والخطايا التي أودت بالأمن والاستقرار وأدخلت البلاد الآمنة في أتون حروب ظالمة ومدمرة وفتن خبيثة وانتهاكات لحقوق الإنسان وإذلال للشعب السوداني الأبي الذي كان مضرب المثل في الوحدة والمحبة والشفافية والتسامح والجنوح للسلم والمصالحة مع الذات ومع الآخر.
كما لا تعفى الدول العربية من المسؤولية بسبب عدم اهتمامها بما يسمى laquo;الأطرافraquo; وتركيزها على laquo;المراكزraquo; أو الدول الفاعلة. فالسودان كان بحاجة لدعم على كافة المستويات ليقف على قدميه ويقاوم الضغوط ويحمي وحدته. كما كان يحتاج إلى مبادرات عربية فاعلة لكل أزماته ووقف حروبه والضغط على الدول الأجنبية لوقف تدخلاتها السافرة حتى لا يتحول إلى صومال آخر، عانى بدوره من اللامبالاة العربية وكأن أمره لا يعني العرب والمسلمين، فوقع فريسة لمطامع أثيوبيا أولاً التي احتلت جزءاً من أراضيه في أوغادين وغيرها ثم أمعنت في المؤامرات الأجنبية تقسيماً وتدميراً وهدماً إلى أن وقع بيد غلاة المتطرفين من laquo;القاعدةraquo; وأخواتها.
فالسودان لمن لا يعرف كان ولا يزال حتى هذه اللحظة بوابة العرب الى أفريقيا والجسر الواصل بينهم على امتداد أوطانهم، وكان يشكل نقطة الانطلاق الرئيسية للدعوة ونشر الإسلام في القارة السوداء على أسس المحبة والتسامح والحكمة والموعظة الحسنة وأسلوب الترغيب لا الترهيب وسلوكيات السودانيين وأخلاقهم الحميدة ودماثتهم وطيبتهم.
وهنا بيت القصيد، فكيف يمكن لبلد شعبه يتمتع بهذه الخصال وأمته تتعايش فيها الأعراق والأجناس والأديان والمذاهب والطرق الصوفية والقبائل وتتحول إلى مضرب المثل والقدوة للعالم كله أن يصل إلى هذا الدرك وان تفتك به الحروب والأزمات والفتن ويحترق بنيرانها المدمرة التي كلفته حتى الآن مئات الآلاف من الضحايا والقتلى والجرحى والمشردين والحبل على الجرار؟
فهذا البلد استطاع ان يعيش في وحدة ووئام وانسجام ووفاق ومحبة لأكثر من قرن بلا مشاكل ولا خلافات ولا حساسيات ولا تشنجات ولا حركات انفصالية: أكثر من 500 قبيلة وعشيرة، تتحدث بمئات اللغات واللهجات المحلية المختلفة، وأعراق متعددة: عرب وأفارقة ونوبيون ومسلمون عرب ومسلمون أفارقة وطوائف مسيحية وقبائل وثنية.
وكم كنا نطرب عندما كنا نسمع بأخبار وحدة وادي النيل، وملك مصر والسودان، ونفرح عندما تتردد أصداء التعاون والتآلف، ونحلم بامتداد الوحدة لتشمل الوطن العربي كله... ثم جاءت الضربة الأولى عبر ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 لتقضي على الحلم وتفصل التوأم المصري والسوداني وتزرع بذور الشقاق بين الأخوة والأحباء والأنسباء وأبناء الأمة الواحدة والمصير المشترك.
وعلى رغم الحساسيات المستجدة بين البلدين، بقيت الأمور على ما هي عليه وحافظ السودانيون على وحدة وطنهم وتمسكوا بمبدأ التعايش إلى أن توالت الانقلابات العسكرية وصولاً إلى انقلاب عمر البشير المسمى بـ laquo;الإنقاذraquo; ليحمل معه بذور الشقاق والنفاق والحروب من الشرق والغرب والجنوب وصولاً إلى اقليم دارفور الذي شهد أبشع أنواع القتل والمذابح الجماعية والتشريد والاغتصاب.
تزامنت هذه التطورات مع تجدد المؤامرات الأجنبية والتحركات المريبة في الجنوب والتحريض الصهيوني السافر على الانفصال ورفض الوحدة مع الشمال وهو ما تم تشريعه بكل أسف، داخلياً ودولياً، من طريق الاستفتاء المزعوم الذي يمكن تلخيص أهدافه بأن ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.
وشملت هذه التدخلات الولايات المتحدة التي أبدت غيرة مشبوهة على حقوق الجنوبيين ودعمت الانفصال، ودول الجوار الأفريقية إضافة إلى إسرائيل ودول غربية وشرقية وسط معلومات وتقارير تؤكد ان الجنوب غني بمختلف أنواع الثروات من نفط ومعادن وذهب ويورانيوم إضافة إلى الثروات المائية والزراعية والحيوانية. فيما كان يعاني من قبل من إهمال متعمد من قبل الحكومة المركزية في الخرطوم ويشكو أهله من استئثار أهل الشمال بالحكم والثروات والإنماء والمشاريع والغنائم. ومن دون أن ننسى عامل الفساد والهدر وسوء التخطيط فإن معظم مناطق السودان تشكو من مشاكل مماثلة تعاني من الفقر والبطالة والمرض وتفشي الأمية وغياب الدولة والأمن ونقص المرافق العامة لتأمين أبسط مطالب وحاجات الحياة اليومية. ولهذا السبب لا بد من دق ناقوس الخطر من حروب تبدأ بين الشمال والجنوب المتجه إلى الانفصال وتتوالى في مناطق أخرى مثل النيل الأزرق وكردفان والنوبة وصولاً إلى دارفور الذي يعيش إرهاصات الانفصال ويعاني من الحروب المتواصلة بين العرب المسلمين والعرب الأفارقة ويعيش شبه حالة وصاية دولية علنية.
وفي حال وقوع مثل هذه الويلات فإن ناقوس خطر آخر يجب أن يدق ليحذر من امتداد الحركات الانفصالية إلى المنطقة بأسرها ضمن مؤامرة تفتيت العرب وتقسيم ما هو مقسم أصلاً وإشعال نار حروب وفتن لا نهاية لها.
وإذا كان الخطر شاملاً وعاماً على العرب أجمعين فإن مصر ستكون المتضرر الأكبر الذي سيدفع ثمناً فادحاً نتيجة لما يجري في السودان وفق مقولة معروفة هي ان أمن مصر من أمن السودان والعكس بالعكس.
وأبعد من السياسة والأمن والحركات الانفصالية يأتي في طليعة المخاطر موضوع الأمن المائي لمصر والسودان، فإكمال مؤامرة الانفصال واندلاع حروب عبثية سيهددان مصير مياه النيل خصوصاً ان النزاع بين بلدان حوضه أخذ أبعاداً خطيرة خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب مطالبة مصر والسودان بخفض حصتهما ومشاريع إقامة سدود على امتداد النهر الكبير في دول أفريقية عدة.
وهذا غيض من فيض تداعيات نتائج الاستفتاء في جنوب السودان، فعلى رغم التحذيرات التي أطلقت قبل أشهر عدة للتنبيه من أخطار ما يجري والدعوات المتكررة لعقد قمة عربية طارئة للبحث في هذه التداعيات ووضع استراتيجية عربية مشتركة لمواجهتها لم يحرك أحد ساكناً وتركت الأمور تجري كما لو أن الأمر لا يعني العرب والمسلمين.
واليوم نكرر الدعوة للتداعي لبحث وسائل المواجهة ودرء المخاطر وتقليص الأضرار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن السودان بلد عربي فاعل ومؤثر أولاً وحتى لا تتكرر مأساة العراق ويتحول هذا البلد العربي إلى ساحة صراع دولي ومرتع للمتطرفين ويدفع شعبه الأبي ثمناً غالياً من دمه وأرواح أبنائه وثرواته الوطنية وندفع معه دماً ودموعاً وتهديداً لمصير العرب كلهم ونكرر معه القول: أكلوك يوم أكلوا الثور الأبيض.