مأمون فندي


ما سيحدث في تونس وحولها يعتمد على نظريتين أساسيتين، الأولى هي أن ما حدث في تونس هو ثورة حقيقية لا مثيل لها في عالمنا العربي. وبهذا فهي قابلة للتكرار في أماكن أخرى. أما النظرية الثانية فهي تقول بأن ما حدث في تونس 2011 شبيه بما حدث في رومانيا 1989، أي نصف ثورة، وهي بهذا غير قابلة للتكرار في بلدان أخرى. ولكل من النظريتين تبعات ودروس لمستقبل تونس والمنطقة لا يمكن اختزالها في مقال قصير. وأبدأ بالنظرية الثانية أولا. حتى هذه اللحظة رغم مرور أكثر من عشرين عاما على ثورة رومانيا وإطلاق النار على نيكولاي شاوسيسكو وزوجته عقابا لهما على إجرامهما في حق الوطن، فإن تحليلات وتقارير الـlaquo;نيويورك تايمزraquo; وكذلك تحليلات الباحثين الجادين لم تتوصل إلى حل لغز رومانيا (رومانين إنجما).

فهناك من يرى أنها كانت ثورة بدأت في أطراف رومانيا عندما امتهنت السلطات القس الهنغاري أو المجري المشهور، مثله مثل محمد البوعزيزي وفي منطقة تشبه سيدي بوزيد في تونس، فعمت المظاهرات، حتى وصلت إلى العاصمة، وقرر شاوسيسكو الهرب، ورفض الطيار نقله وزوجته إلى مكان آمن، مثل حالة أسرة زوجة بن علي، وتم إلقاء القبض على شاوسيسكو ومحاكمته، وإطلاق النار عليه وعلى زوجته أمام أهالي رومانيا وعلى الشاشات. ولكن ما حدث بعد ذلك هو أن استولى بقايا النظام البائد من الشيوعيين على الثورة، ونشرت laquo;الإندبندنتraquo; البريطانية تقريرا متابعا في عام 2009 ولم تتوصل إلى فهم حقيقي لثورة رومانيا، وما زال الباحثون مختلفين حول رومانيا: هل كانت ثورة أم نصف ثورة؟ وأنا أميل إلى كونها كانت نصف ثورة، ثم عدلت تدريجيا، لأن أوروبا الشرقية كلها لم تقبل الشيوعيين فيما بعد، وما زال نظام رومانيا هو الأكثر تخلفا في اللحاق بركب الديمقراطيات الغربية. فهل سيكون هذا مآل تونس، بمعنى أن محمد الغنوشي ورشيد بن عمار، وجماعة الحزب الحاكم في تونس أطاحوا بالرئيس وطردوه، لكي يركبوا الموجة، ويوجهون الشعب إلى وجهة ليست ببعيدة عن النظام القديم.

أما إذا كانت ثورة حقيقية، فمعنى ذلك أن ما نراه الآن من محاولة لبناء حكومة وفاق وطني ما هو إلا مشروع انتقالي مرفوض من قبل قادة الاحتجاج الشعبي أيا كانت نوعية التمثيل التي ستمنح للجماعات المعارضة المختلفة في تونس. ومن هنا نتوقع مزيدا من العنف، إلا إذا قبلت الحكومة الحالية والجيش بشيء أشبه بما حدث في العراق، وهو تفكيك حزب البعث الحاكم، وفي حالة تونس تفكيك منظومة الاستبداد برمتها من الحزب الحاكم والأمن، وحتى الجيش، وإذا ما دخلت تونس في التجربة العراقية، فسوف ندخل فيما يسمى بسياسة الانتقام، ومزيد من محاكم التفتيش، ومزيد من العنف. وبهذا، ينبغي ألا نستعجل الاستقرار في تونس، ونرضى باستقرار بعد عامين من الآن على الأقل، هذا إن كانت ثورة، أما إذا كانت نصف ثورة، فرومانيا هي النموذج.

إذا كانت ثورة حقيقية فهي قابلة للتكرار في بلدان عربية أخرى، على العكس مما ادعى جماعة laquo;مش تونسraquo; من المحللين السياسيين والذين حاولوا أن ينأى كل منهم ببلده عن مصير تونس. تونس قابلة للتكرار إن كانت ثورة لأنه ولأول مرة نرى ثورة حقيقية يقوم بها أناس مثلنا، من بني جلدتنا، ويتحدثون لغتنا، لا هي الثورة الفرنسية ولا الثورة الأميركية. بالطبع أنا لا أعد الحركات الكثيرة laquo;الفشنكraquo; من الانقلابات التي سميناها ثورات في عالمنا العربي ونحن أول من يعرف أنها لم تكن ثورات ولا فورات. لذلك سيكون فيروس تونس أقوى تأثيرا وانتشارا، حتى لو كانت نصف ثورة. وهنا أنا أميل إلى نظرية تكرار التجربة، فالدنيا تغيرت بعد تونس كما تغيرت في أوروبا بعد رومانيا.