المواجهة في لبنان

زهير قصيباتي
الحياة
حين يلوِّح البعض بسلسلة إجراءات ستتخذها المعارضة في لبنان، تجعل الاستشارات النيابية الاثنين المقبل مستحيلة، لا تتحول الأنظار الى الهدف المطلوب من تعطيل هذه الاستشارات بمقدار ما تتعزز شكوك فريق 14 آذار في وجود خطة laquo;انقلابraquo; تنفذها المعارضة تدريجاً، على مساري الحكومة والمحكمة الدولية.
وإن كان الأمل ضعيفاً بقدرة التحرك القطري ndash; التركي على إحياء مسار التفاهم السوري ndash; السعودي لإنقاذ لبنان من الانفلات الأمني ndash; السياسي الشامل في laquo;مرحلة ما بعد القرار الظنيraquo; للمحكمة، يمكن تفهم التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قبل مغادرة نظيريه القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني والتركي أحمد داود أوغلو بيروت، بصفته دعماً للتحرك الجديد، قبل فوات الأوان. صحيح أن تحذير سعود الفيصل من انتهاء دولة التعايش في لبنان بين الأديان والفئات، اقترن بـ laquo;إذاraquo; بلغت الأزمة المستعصية حال laquo;الانفصال وتقسيمraquo; البلد، لكنه بدا ضغطاً لإعادة الأطراف المعنية الى سكة الحوار والتهدئة، على قاعدة الاعتراف بالوقائع، وفصل مساري الحكومة والمحكمة. وإذ تلغي المعارضة وعلى رأسها laquo;حزب اللهraquo;، أي احتمال لهذا الفصل (بدليل إسقاطها حكومة سعد الحريري)، يبقى الجميع في انتظار المجهول، بعد عودتهم الى المربع الأول... ما قبل المسعى السعودي ndash; السوري.
مغزى laquo;الرسالةraquo; السعودية هو تشجيع كل اللبنانيين، موالاةً ومعارضةً، على التفتيش عن أي بديل لكل مخارج التسوية التي طرحت وبقيت سرية شهوراً، إذا كان كفيلاً بإخراج لبنان من الانقسام المرير بين معسكريه، وهدم جدران القطيعة بين فئاته، ليتمكن من صدّ رياح الخارج. وليس مبالغةً أو نوعاً من التشاؤم تصور هبوط فرص الحل الى مستوى لم يعرفه اللبنانيون حتى خلال حروبهم الأهلية بعد عام 1975.
حتى الآن، وفيما أُحبِطت معادلة laquo;س. سraquo; بعوامل بعضها خارجي، كما يرى أيضاً موالون لقوى 14 آذار، يشككون في مدى تأثر توجهات laquo;حزب اللهraquo; بمصالح طهران، أو تناغمه معها، لا تعطي القيادة الإيرانية مؤشراً الى تشجيع المحاولة الفرنسية لتشكيل laquo;مجموعة الاتصالraquo; من أجل لبنان. ومرة أخرى، لم يكن يسيراً تجاهل وتيرة التصعيد الإيراني أمس على جبهة مفاوضات الملف النووي، في حين استشاط الرئيس محمود أحمدي نجاد في حديثه عن الدور الأميركي ndash; الإسرائيلي ndash; الأوروبي في laquo;التحريض على الفتنةraquo; في لبنان، وتوعده الغرب بقطع laquo;يد التآمرraquo;. وهو بدا موجِّهاً رسالة الى باريس المتشددة في الدفاع عن المحكمة الدولية، وفي الملف النووي!
غالبية اللبنانيين تتحسس الأيدي لأن ساحة المواجهة إذا حصلت، معروفة كما هوية الذين سيدفعون الثمن.
ويتجدد المأزق لأن المعادلة المستحيلة ما زالت هي هي: معارضة أسقطت حكومة سعد الحريري، تظن أن بإمكانها أيضاً إسقاط المحكمة الدولية في الداخل لتفادي عواقب laquo;فتنةraquo;... وموالاة لـ14 آذار وللمحكمة تصر على أن التخلي عنها تمديد لمشاريع الفتن الكبرى. الأولى مطمئنة الى تجربة ما بعد 7 أيار، والثانية متكئة على عدالة كشف القاتل. أولوية المعارضة والموالاة إذاً هي قضية المحكمة لا الحكومة، وما تبدل بعد القرار الاتهامي هو رفع شروط laquo;حزب اللهraquo; وحلفائه، فأي تسوية؟
هي معركة مصير للطرفين، وبين سقف الطموحات وانهيار كل جدران الثقة، تعود لغة laquo;التآمرraquo; والتخوين الى عصرها الذهبي، كأن المواجهة آتية لا ريب فيها، ولا بديل.
البعض يتبرع بعضلات التحدي، وآخرون بسيناريوات ما خفي أعظم... لا مكان إلا للتشكيك بنيات الآخر، واغتيال الغد كل يوم. كابوس اللبنانيين بات التسوية laquo;المستحيلةraquo;، والأمل بتنازلات هجرت مفردات السياسة.
أما المطمئنون الى قدرة اللبنانيين على laquo;التفاهمraquo;، كحال نجاد، فلعلهم يتناسون وقائع تداعيات الزلزال الذي أطاح مفردات التسويات باغتيال رفيق الحريري عام 2005. واليوم، مع إقامة اللبنانيين بين جدران الرعب من ساعة المواجهة، ما زال واقعاً عجزهم عن اختراع معادلة تسوية، سقفها العدالة والأمن والدولة.
هاجس laquo;التآمرraquo; ينتصر، لا أحد سيتنازل عن مصيره لإنقاذ البلد الصغير من الحريق الكبير.
بشار quot;وسيطquot; في أزمة لبنانية طويلة ؟
سركيس نعوم
النهار اللبنانية
يعرف الأميركيون المتابعون للأوضاع في لبنان بكل تطوراتها ان quot;حزب اللهquot; وحلفاءه في الداخل والخارج كانوا سيصلون الى مرحلة quot;الحسمquot; أو على الأقل الى بدايته، وخصوصاً بعدما تأكدوا ومن مصادر مختلفة موثوقة ان القرار الاتهامي الدولي صار في مراحله النهائية، وبعدما رأوا بأم العين الحركة العربية ndash; الاقليمية ndash; الدولية لرئيس الحكومة سعد الحريري التي أسفرت عن تأييد عارم له ولمواقفه الصلبة الداعمة للمحكمة الدولية وكذلك عن تأييد كبير لهذه المحكمة. ولذلك فإنهم لم يفاجأوا بخطوة quot;اسقاطquot; الحكومة التي أقدم عليها وزراء المعارضة العشرة وأحد وزراء رئيس الجمهورية في الثاني عشر من الشهر الجاري. لكنهم الى الآن لا يزالون محتارين حيال المرحلة المقبلة القريبة منها والمتوسطة.
فهم وعلى الصعيد العملاني لا يعرفون اذا كان الحسم سيبقى سياسياً، ولا يعرفون اذا كان تعذر انجازه سيدفع quot;الحزبquot; الى تحويله حسماً بالقوة مع كل الأخطار التي يرتبها ذلك. لكنهم وبعد بدء quot;الحسمquot; انطلقوا في تحليلات عدة لما يجري في لبنان محاولين بذلك استشراف معالم المرحلة المقبلة. وقد توصل عدد كبير من هؤلاء المتابعين الى اقتناع بأن الهدف من اسقاط الحكومة كان رغبة quot;حزب اللهquot; وحلفائه المتنوعين في معرفة رد فعل الحريري على مضمون القرار الاتهامي عندما يصدر رسمياً، وتالياً عندما يُعلن وتحديداً اسماء المتهمين الذين سيتضمنهم التقرير وخصوصاً اذا كانوا من اعضاء quot;الحزبquot; بل من كوادره القيادية المتوسطة او حتى العليا. وهذا يعني في اختصار ان امام الحريري وquot;الحزبquot; اما انتظار صدور القرار رسمياً، وذلك قد يتم خلال اسبوع او اثنين او خلال عشرة اسابيع، او ربما بعد اشهر اذا اعاد قاضي الاجراءات التمهيدية القرار الى المدعي العام لعدم اقتناعه به أو لعيب فيه، واما اتخاذ المواقف السلبية من المحكمة والقرار بالحسم منذ الآن.
وطبيعي ان يفضل رئيس الحكومة الانتظار اذ ربما تطرأ تطورات محلية أو خارجية تحسن موقفه وتقوي موقعه وتساعده على الاستمرار في المواجهة بدلاً من الاستسلام. وطبيعي ايضاً ان يفضل quot;الحزبquot; السرعة لأن احداً لا يعرف ما يخبئه القدر من تطورات سلبية وخصوصاً في الشارع نظراً الى الاحتقان السائد على الصعيد المذهبي كما على الصعيد السياسي. وايضاً جراء احتمال دخول quot;اطرافquot; معلومين وغير معلومين على الخط لا مصلحة لهم في التهدئة. وليس ضرورياً ان يكون هؤلاء عملاء للصهيونية والامبريالية وان كانوا يخدمون مصالحها على نحو غير مباشر.
هذا عن الحريري فماذا عن سوريا بشار الاسد والأزمة الحكومية اللبنانية الناشبة، بل الأزمة اللبنانية التي عادت الى الاشتعال، ولكن بوقود جديد هو المذهبية بعدما كانت الطائفية الدينية وقود الاشتعالات الاولى التي ادت الى حرب دامية نيفاً و15
سنة.
يقول الاميركيون المتابعون انفسهم انهم يعرفون ان الرئيس الراحل حافظ الاسد ونجله الرئيس الحالي بشار quot;كرهاquot; الرئيس الشهيد رفيق الحريري وان الثاني quot;يكرهquot; نجله الرئيس سعد الحريري. ويعتقدون ان ما يجري الآن هو فرصة سوريا بشار كي يتخلص من الابن وان تلقّت بسبب ذلك quot;طرقاتquot; أو quot;ضرباتquot; اعتراضية او احتجاجية هي خفيفة جداً على ظهرها سواء من الادارة الاميركية او من عرب الاعتدال. ويعتقدون ايضاً انه ليس في امكان الحريري الابن رفض مضمون القرار الاتهامي الدولي، وانه سيكون مدعوماً في الوقت نفسه من اميركا وغالبية العرب. وهذا يعني في اختصار ان الازمة الحكومية ستستمر وان لبنان سيبقى من دون قيادة اي من دون حكومة تمثل السلطة التنفيذية وذلك الى أجل لا يعرف أحد متى ينتهي. ويعتقدون ثالثاً ان الرئيس السوري الشاب يستطيع الآن وبعد عودة سفير اميركا الى دمشق، وفي ظل تحول الاخيرة مركزاً لكل الاجتماعات الرفيعة المستوى الهادفة الى البحث في الموضوع اللبناني حالّة بذلك مكان القاهرة والرياض وعواصم اقليمية ودولية اخرى، يعتقدون انه يستطيع الانطلاق من ذلك لممارسة دور الوسيط بين اللبنانيين وبين بعضهم والخارج، أولاً لمنع التدهور المرتقب من التحول جحيماً وثانياً ليكون عراب التسوية النهائية فيه والمستفيد الاول منها. طبعاً يستطيع الرئيس الاسد خلال هذه الفترة البحث في اسماء اخرى غير الحريري الابن لتأليف حكومة جديدة قد تكون شمالية في معظمها من بينها الرئيس عمر كرامي. وقد تُسهّل دمشق مهمة هؤلاء لأن المطلوب منهم قد يكون اسهل قليلاً من المطلوب من الحريري وهو رفض التعاون مع المحكمة الدولية ريثما يدرس القضاء اللبناني قرارها الاتهامي بدقة ويقرر الاجراءات اللازمة. هذا أمر قد يستغرق أشهراً. وبذلك تختفي هذه القضية عن واجهة الحوداث الاقليمية والعالمية، الأمر الذي يسهل التوصل الى تسوية في شأنها لاحقاً. علماً ان المتابعين الاميركيين انفسهم لا يعرفون اذا كان التكليف سيثمر تأليفاً. وجل ما يعرفونه ان الازمة قد تكون طويلة. وان بلادهم ستقدم أثناءها كل الدعم للرئيس الحريري وفريقه وانها لن تساوم ولن تسعى الى صفقة على حسابه مع اعدائه في الداخل
والخارج.
ما رأي المتابعين اللبنانيين في ذلك كله؟
يرون أولاً ان الرغبة في ابعاد المحكمة عن صدارة الاهتمام الدولي ربما تخفي رغبة ما في مساومة او صفقة. ويرون ثانياً ان اميركا لا تمانع في سوريا quot;وسيطاًquot; متفاهماً معها. ويرون ثالثاً ان الدعم الاميركي للبنان المؤيد لحكومته قبل استقالتها وبعدها حقيقي، وان اهتمام اوباما وادارته بهما جدي. لكنهم يتساءلون اذا كان لبنان لا يزال اولوية اساسية عند اميركا اوباما. ومصدر تساؤلهم معلومات دقيقة حصلوا عليها من شخصيات زارت اميركا اخيراً وكانت لها لقاءات فيها تشير كلها الى ان العراق المهم جداً لأميركا ولاعتبارات سابقة وحالية ولاحقة صار يحمل الرقم خمسة في سلم الأولويات الاميركية، والى ان مرتبة لبنان في هذا السلم تدنت كثيراً رغم الدعم الاميركي السياسي. ودعم اميركا لبنان والحريري مفهوم ومبرر لأن اميــركا لا تريـــــد خســـــارة نصف الاول وتجييـــره كله لسوريا وايران قبل التوصل معهما الى تسويـــــة جراء حوار أو حرب. كما ان مقاومـــــة هذا الدعــــم في سوريـــا وايــــران مفهومــــة ومبررة لانهما يريدانه كلياً لهما اثنــــــاء مواجهــــــة اميــركا ســــواء بالحوار أو بالحرب.